تناهى في الإناء لي والإخفاء بي، والرفع من مجلسي، والزيادة في بسطي، وأجتهد في تقبيل يده فيمنعنيها ولا يمكنني منها، فاتفق أن دخلت إليه يوما على رسمي فوجدته متأهبا تأهبا لم أعرف سببه، ولا جرت له به عادة، ولم أر منه ما عودنيه من الإكرام والرفع من مجلسي والإقبال عليَّ والبسط، وجلست دون موضعي، فما أنكر ذلك مني، ورمت تقبيل يده، فمدها إليَّ، وشاهدت من أمره وفعله ما اشتد وجومي له، واختلفت في الظنون فيه، وقلت له عند رؤيتي ما رأيته، وإنكاري ما أنكرته، أيؤذن لي في الكلام؟
قال: قل. قلت: أرى اليوم من الانقباض عني ما قد أوحشني، وخفت أن يكون لزلة كانت مني، فإن يكن ذلك فمن حكم التفضيل إشعاري به لأطلب بالعذر مخرجا منه، وأستعين بالأخلاق الشريفة في العفو عنه، فأجابني بوقار: اسمع أخبرك، رأيت البارحة في منامي كأن نهركم هذا- وأومأ إلى نهر الصليق- قد اتسع حتى صار في عرض دجلة دفعات، وكأنني متعجب من ذلك، وسرت على ضفتيه، متأملا لأمره ومستظرفا لعظمه، فرأيت دستاهيج قنطرة فقلت: ترى من قد حدث نفسه بعمل قنطرة في هذا الموضع، وعلى هذا البحر الكبير وصعدته، وكان وثيقا محكما، ومددت عيني فإذا بإزائه مثله، فزال عني الشك في أنهما دستاهيج قنطرة، وأقبلت أصعد وأصوب في التعجب، وبينا أنا واقف عليه رأيت شخصا قد قابلني من ذلك الجانب [الآخر وناداني] وَقَالَ: يا أحمد تريد أن تعبر؟ قلت: نعم فمد يده حتى وصلت إليَّ وأخذني وعبرني، فهالني أمره [وفعله] وقلت له: وقد تعاظمني فعله من أنت؟ قال: علي بن أبي طالب، وهذا الأمر صائر إليك ويطول عمرك فيه، فأحسن في ولدي، وشيعتي، فما انتهي الخليفة إلى هذا المكان حتى سمعنا صياح الفلاحين وضجيج ناس، فسألنا عن ذلك فقيل ورد أبو علي الحسن بن محمد بن نصر ومعه جماعة، وإذا هم الواردون للإصعاد به، وقد تقررت الخلافة له، وأنفذ معهم قطعة من أذن الطائع للَّه، فعاودت تقبيل يده ورجله، وخاطبته بإمرة أمير المؤمنين، وبايعته وكان من إصعاده وإصعادي معه ما كان قال هلال:
وجدت كتابا كتبه القادر باللَّه من الصليق إلى بهاء الدولة نسخته:
بسم الله الرحمن الرحيم: من عبد الله أحمد الإمام القادر باللَّه أمير المؤمنين إلى بهاء الدولة وضياء الملة أبي نصر بن عضد الدولة وتاج الملة مولي أمير المؤمنين، سلام