لبعض: هذا غلط وربما عبر إلى الجانب الغربي واعتصم بالكرخ واستجاش العوام، والصواب أن نحمله إلى مجمع الغلمان ليدبروا أمره بما يرون، فتسرعوا إلى رد السميرية وعلقوا بمجدافها واضطربت فدخلها الماء حتى ابتلت ثيابه وتكابوا عليه فرجموه وأخرجوه ومشوا به خطوات كثيرة، فأعطاه الأتراك فرسه فحملوه إلى الجمع بعد أن كلموه بكل قبيح وأقاموه راكبا في الشمس زمانا وأنزلوه فوقف علي عتبة الباب طويلا ثم دخل المسجد، فوكلوا به ثم تفرقوا إلى منازلهم وجاءت صلاة الظهر وهو مشتغل بالصلاة والدعاء ثم تآمروا على نقله إلى الدار المهلبية، فخرج القائد أبو الوفاء ومعه عشرون غلاما دارية وحواشي الدار والعامة ومن تاب من العيارين وهجم عليهم فدفعهم عنه، واستخرجوه من أيديهم فأعاده إلى داره، وكان ذلك في رمضان، فنقل الملك ولده وحرمه وما بقى من ثيابه وآلاته ودوابه وفرش داره إلى الجانب الغربي بعد أن نهب الغلمان ما نهبوا من ذلك، ثم عبر في آخر الليل إلى الكرخ، فتلقاه أهلها بالدعاء، فنزل في دار المرتضى بدرب جميل، وعبر الوزير أبو القاسم بعبوره فنزل في دار تجاوره، ثم اجتمع الغلمان وعزموا علي عقد/ الجسر والعبور للمطالبة لأهل الكرخ بإخراج الملك عنهم ثم تشاوروا فاختلفوا، فقال الخائفون من عقبي ما جنوا على الملك: هذا الملك قد أقل مراعاتنا والمبالاة بنا وأخذ أموالنا وتركنا جياعا، وما ينفع فيه عذل ولا يصلحه قبيح ولا جميل، وقد كان منا إليه ما قد علمتم أولا وأخيرا ما لا يصفو لنا معه نية منه. وقال آخرون: فما [ترون وما][١] الّذي نفعل. وهل هاهنا من نجعله عوضا عنه وما بقى من بني بويه إلا هو وأبو كاليجار ابن أخيه قد سلم الأمر إليه ومضى إلى فارس وتنحل الأمر إلى أن كتبوا إلى الملك رقعة يقولون فيها:«نحن عبيدك ومماليكك ملكناك أمورنا ابتداء وقد ضيقت علينا مرة بعد مرة وتعدنا وتعتذر إلينا، ولا نجد أثر ذلك، ولك ممالك كثيرة فيجوز أن تطرح كلك عنها مدة وتوفر علينا هذه الصبابة من المادة. وهذا أمر قد اجتمعت عليه كلمتنا، ومن الصواب أن لا تخالفنا فيه وتحوج هذا العسكر إلى تجاوز ما قد وقفوا عنده» .
وأنفذوا الرقعة إلى المرتضى ليعرضها ويتنجز جوابها، فعرضها عليه، فأجاب: