للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فجاز على بستان فطلب منه ماء ليشرب، فأخرجت له صبية إناءً فيه ماء قصب السكر والثلج فشربه، فاستطابه فقال: هذا كيف يعمل؟ فقالت: من قصب السكر يزكو عندنا حتى نعصره بأيدينا فيخرج منه هذا الماء. فقال: احضريني شيئا آخر منه [فمضت وهي لا تعرفه] [١] فنوى في نفسه اصطفاء المكان لنفسه وتعويضهم عنه، فما كان بأسرع من أن خرجت باكية فقال لها: ما لك؟ فقالت. نية سلطاننا قد تغيرت علينا. فقال لها: من أين علمت؟ قالت كنت آخذ من هذا الماء ما أريد من غير تعسف، والآن فقد اجتهدت في العصر فلم يسمح ببعض ما كان يخرج عفوا. فعلم صدقها فقال: ارجعي الآن فإنك تلقين الغرض، ونوى أن لا يفعل ما عزم عليه، فخرجت ومعها ما شاءت وهي مستبشرة.

فلما حكى الواعظ هذا قَالَ له السلطان: أنت تحكي لي مثل هذا فلم لا تحكي للرعية أن كسرى اجتاز وحده على بستان فقال للناطور: ناولني عنقودا من الحصرم [فقد كظني العطش واستولت على الصفراء] [٢] فقال له: ما يمكنني، فإن السلطان لم يأخذ حقه منه فما يمكنني جنايته، فعجب من حضر وكان فيهم نظام الملك، من مقابلة السلطان تلك الحكاية بهذه، واستدلوا على قوة فطنته، وقد سار هذا السلطان من أصبهان إلى أنطاكية، وعاد إلى بغداد، فما نقل أن أحدا من عسكره أخذ شيئا بغير حق ودخل إلى بغداد ثلاث مرات وكان الناس يخافون الغلاء فيظهر الأمر/ بخلاف ما ظنوا، وكانت ١٥٠/ ب السوقة تخترق عسكره ليلا ونهارا، والسوادي يطوف بالتين والدجاج في وسط العسكر ولا يخافون ولا يبيعون إلا بما يريدون. وتقدم بترك المكوس فقال له أحد المستوفين يا سلطان، العام قد أسقطت من خزائن أموالك ستمائة ألف ونيفا فيما هذا سبيله، فقال:

المال مال الله، والعبيد عبيده، والبلاد بلاده، وإنما يبقى في ذلك، فمتى راجعني أحد في ذلك تقدمت بضرب عنقه.

وذكر هبة الله بن المبارك بن يوسف السقطى في تاريخه قَالَ: حدثني عبد السميع بن داود العباسي قَالَ: قصد ملك شاه رجلان من أهل البلاد السفلي من أرض العراق يعرفان: بابني غزال، من قرية تعرف بالحدادية، فتعلقا بركابه وقالا: نحن من


[١] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.
[٢] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.

<<  <  ج: ص:  >  >>