فأوصلا الكتاب إليه وعرفا الجواب، وأخبراه بما شاهداه من خروج الخليفة عن داره وكونه في مضاربه بالجانب الغربي، فامتلأ غيظا واستشاط، وأمر بالرحيل إلى بغداد.
وفي عاشر ذي الحجة: وهو يوم النحر أمر أمير المؤمنين بنصب خيمة كبيرة وبين يديها خيمة أخرى ومد شقتين من شقاق السرادق من غير دهليز، [١] ونصبوا في صدر الخيمة منبرا عاليا، وحضر خواص الخليفة ووزيره والنقباء وأرباب المناصب والأشراف والهاشميون والطالبيون، وخلق من الوجوه، وأقبل الخليفة ومعه ولده الراشد وهو ولى عهده، فوقف إلى جانب المنبر، وصلى بالناس صلاة العيد، وكان المكبرون خطباء الجوامع ابن الغريق وابن المهتدى وابن التريكي وغيرهم، فلما فرغ من الصلاة صعد المنبر، ووقف ولى العهد دونه بيده سيف مشهور فابتدأ فقال: «الله أكبر ما سحت الأنواء، وأشرق الضياء، وطلعت ذكاء، وعلت على الأرض السماء، الله أكبر ما همع سحاب، ولمع سراب، وأنجح طلاب وسر قادم بإياب، الله أكبر/ ما نبت نجم وأزهر، ٩٩/ ب وأينع غصن، وأثمر، وطلع فجر وأسفر وأضاء هلال وأقمر، سبحان الذي جل عن الأشباه والنظير، وعجز عن تكييف ذاته الفكر والضمير لا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار، وهو اللطيف الخبير، الحمد للَّه ناصر أوليائه وخاذل أعدائه الذي لا يخلو من علمه مكان ولا يشغله شأن عن شأن، أحمده على تزايد نعمه، وأسأله الزيادة من بره وكرمه، وَأَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ وَحْدَهُ لا شريك له، شهادة أجعلها لنفسي الوقاء، وأعدها ذخرا ليوم اللقاء، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله بعثه والكفر ممتد الرواق وقد ضرب بجرانه في الآفاق، فشمر فيه عن ساق وقوم أهل الزيغ والنفاق، صلى الله عليه وعلى إله الأخيار وأهل بيته الأطهار، وعلى عمه وصنو أبيه العباس ذي الشرف الشامخ والمجد الباذخ جد أمير المؤمنين أبي الخلفاء الراشدين، وعلى أزواجه الطاهرات أمهات المؤمنين وسلم، صلاة يزكيهم بها يوم الدين، وتجعلهم في جواره أعلى عليين.
عباد الله قد وضح السبيل لطالبيه ونطق الدليل للراغب فيه واستظهر الحق لظهور معانيه، فما للنفوس راغبة عن رشادها مشمرة عن فسادها مفرطة في إصدارها وإيرادها،