إن من آيات معاملة الله تبارك وتعالى لنا بالفضل قول النبي صلى الله عليه وسلم في حديث أبي هريرة رضي الله عنه:(إذا أدرك أحدكم ركعة من العصر قبل أن تغرب الشمس فقد أدرك، وإذا أدرك أحدكم ركعة من الصبح قبل أن تشرق الشمس فقد أدرك)، أي: إذا قدرنا أنه بقي على المغرب دقيقتان أو ثلاث دقائق وكان لك عذر في تأخير الصلاة فقمت فأدركت ركعة وركعت، ثم قلت: سمع الله لمن حمده فأذن المغرب، فالنبي صلى الله عليه وسلم يقول:(فقد أدرك) وهذه معاملة بالفضل، وإلا إذا عاملنا بالعدل رد علينا ثلاث ركعات؛ لأن الثلاث الركعات الباقيات من صلاة العصر إنما صليتها في وقت المغرب، والله تبارك وتعالى يقول:{إِنَّ الصَّلاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا}[النساء:١٠٣] لها وقت أول ووقت آخر، فإذا أتيت بركعة واحدة في العصر ثم الركعة الثانية والثالثة والرابعة في وقت المغرب فكان مقتضى العدل أن ترد عليك الركعات الثلاث، لكن الله عز وجل قبل منك ثلاث ركعات أوقعتها في غير الوقت بركعة أدركتها في الوقت، فوهب الكثير للقيل، وهذا فضل من الله تبارك وتعالى.
ويقول النبي صلى الله عليه وسلم كما في صحيح البخاري:(إنما بقاؤكم فيما سلف من الأمم كما بين صلاة العصر إلى غروب الشمس، أوتي أهل التوراة التوراة فعملوا حتى إذا انتصف النهار، ثم عجزوا فأعطوا قيراطاً قيراطاً، ثم أوتي أهل الإنجيل الإنجيل فعملوا به حتى صليت العصر، ثم عجزوا فأعطوا قيراطاً قيراطاً، ثم أوتيتم القرآن فعملتم به حتى غربت الشمس، فأعطيتم قيراطين قيراطين، فقال أهل الكتاب: هؤلاء أقل منا عملاً وأكثر أجراً؟ قال الله عز وجل: هل ظلمتكم من حقكم شيئاً؟ قالوا: لا، قال: فهو فضلي أوتيه من أشاء)، فهم كانوا أكثر عملاً، من الصباح إلى منتصف النهار مدة طويلة، ومع ذلك عجزوا، أي: ما أتموا ما فرض الله عز وجل عليهم فأعطوا قيراطاً قيراطاً، أي: وزعوا الأجر على العاملين، ولذلك كرر لفظة القيراط كما لو أردت أن تقول: إنك أعطيت فلاناً حقه كاملاً فتقول: أعطيته حقه درهماً درهماً، أي: ليس له عندك حق، فتكرير القيراط إشارة إلى أن كل عامل أخذ أجره على قدر ما عمل.
وأخذ علماؤنا من هذا الحديث من قوله صلى الله عليه وسلم:(ثم عجزوا فأعطوا قيراطاً قيراطاً) أن المرء إذا كلف بأمر فعجز لظروفه الخاصة فإنه يأخذ أجره، ففي بني إسرائيل يأخذ قيراطاً قيراطاً، وعندنا يأخذ أجره كاملاً، وهذا من جملة معاملة الله إيانا بالفضل، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم -وهذا الحديث في الصحيحين-: (إذا سافر العبد أو مرض كتب له ما كان يعمله صحيحاً مقيماً)، فإذا كان له ورد من الليل يصليه، أو كان له قيام، أو كان له صدقة، فإذا سافر العبد فلم يستطع أن يعمل مثلما يعمله في بلد الإقامة كتب له أجره كاملاً كما لو كان مقيماً، وإذا مرض العبد فعجز عن القيام بما كان يفعله في حال الصحة كتب الله عز وجل له ذلك كاملاً: {ذَلِكَ الْفَضْلُ مِنَ اللَّهِ) [النساء:٧٠].