[جليبيب رضي الله عنه]
أيها المسلمون: هل أحدٌ منكم يعرف جليبيباً؟ يعز علي أن يكون أغلب المسلمين لا يعرف من هو جليبيب!.
روى الإمام مسلم في صحيحه من حديث أنس رضي الله عنه: (أن النبي صلى الله عليه وسلم غزا غزوةً مع أصحابه، وبعد أن انقضت الغزوة، قال: هل تفقدون أحداً؟ قالوا: نعم.
نفقد فلاناً وفلاناً.
ثم قال: هل تفقدون أحداً؟ قالوا: نعم.
نفقد فلاناً وفلاناً.
ثم قال لهم: هل تفقدون أحداً؟ قالوا: لا.
قال: ولكني أفقد جليبيباً فالْتَمِسُوه في القتلى، فالتَمَسُوه فإذا هو قد قتل سبعة وقتلوه، فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم ووقف عليه وقال: قتل سبعةً وقتلوه، هذا مني وأنا منه (سبع مرات)) وكما ورد في صحيح ابن حبان، سبع مرات وهو يقول: (هذا مني وأنا منه)، هذا جليبيب من الرسول صلى الله عليه وسلم وهو منه، فسبحان من لا يعلم أقدار خلقه إلا هو! لكن في زمان الضعف ينبغي أن نظهر هؤلاء الذين يملكون الإعلام في العالم، وهم اليهود، والصحافة الضعيفة في البلاد التابعة لليهود تكون بوقاً وظلاً للصحافة القوية، فإعلام المسلمين إعلام يهودي يسير على نفس الخطة، والمهم -عندهم- رواج الصحيفة، لا يهم ما الذي ينشر فيها، فكل يومٍ يلمع جناة وشذاذ.
وحتى في احتفالاتهم البدعية المنكرة يأتون بشخصيات فاسدة كما حدث في المعهد النموذجي لمدينة نصر -المعهد الأزهري- في يوم عيد الأم، والذي يحز في النفس أن يحتفل بها في المعاهد الأزهرية، في هذا اليوم أتوا بالأم المثالية في المعهد الأزهري، الأم المثالية، أما وجدوا أُماً محترمةً في هذا المجتمع يقدمونها للبنات والشباب إلا مثل هذه؟! أنا أذكر هذه النماذج لتحس بمعنى الغربة، فإلى متى هذا اللهو واللعب؟! وإلى متى هذا التغافل الذي نعيشه في بيوتنا وطوفان الفساد الكاسح يعلو أسرنا ومجتمعاتنا.
إننا نحتاج إلى إظهار أمثال جليبيب رضي الله عنه، الرجل الذي كان نكرة في قومه؛ حتى أنه كما روى ابن حبان بنفس السند في صحيح مسلم: (أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لرجلٍ: أريد أن أخطب ابنتك.
قال: نعم، ونُعمى عين، فقال صلى الله عليه وسلم: ولكن ليست لي.
قال: إذاً: حتى أستشير أمها.
فجاء إلى الأم، فقال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم خطب ابنتك.
فقالت: نعم، ونعمى عين، قال لها: لا، ولكن ليس له.
قالت: لمن إذاً؟ قال: لـ جليبيب.
قالت: لـ جليبيب! لا والله، قد جاءها فلانٌ وفلان، أنزوجها جليبيباً) رجل نكرة، لكنه عند الله معروف، وما يضر العبد أن يكون مجهولاً عند الناس لا يعرف إذا كان الله يعرفه، فمعرفته سبحانه هي التي تنفع العبد، وإذا نسي الله عبداً هلك ولو ذكره العالم أجمع.
إن أويس القرني رحمه الله، وقد زكاه النبي صلى الله عليه وسلم كما في صحيح مسلم قال: (خير التابعين رجلٌ يقال له: أويس).
المهم أن أويس القرني لما جاء إلى عمر بن الخطاب وعرفه عمر، قال له: ادع لي -لأن النبي عليه الصلاة والسلام أوصى أن من قابل أويساً فليطلب منه الدعاء- فقال له: أنت أولى أن تدعو لي، إنك حديث عهدٍ بسفر صالح، فدعا له، فقال له عمر: إلى أين تتجه؟ قال: إلى مكان كذا.
قال عمر: تحب أن أكتب لك إلى عاملها -أكتب له رسالة يهتم بك، وينزلك المنزل السهل الجميل- فقال له: لأن أكون في غبراء الناس أحب إلي.
أي: دعني من الشهرة، أنا لو تهت في الناس هذا أحب إلي، فما زال في هذا البلد، ففطن الناس إليه فجاءوا جماعات يطلبون منه الدعوات كما أمر النبي عليه الصلاة والسلام وأوصى، فلما علم أن الناس فطنوا له؛ هام على وجهه في الأرض! لا يضر أن يجهلك الناس وأن يجهلوا قدرك إذا كان الله عز وجل يعرفك.
فـ جليبيب لم يكن له ذكر، ولم يكن معروفاً، فقالت المرأة: ومن جليبيب؟ قد طلبها فلانٌ وفلان، فتكلمت الفتاة المؤمنة من وراء الستر، وقالت: ويحكم! أتردان أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم؟! اسمعن يا معاشر النساء! ويحكم: أتردان أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم.
اجعلوا أمري لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فتزوجت جليبيباً، فدعا لها رسول الله صلى الله عليه وسلم بدعاء جميل رقيق جامع، قال: (اللهم صبّ عليها الخير صباً، ولا تجعل عيشها كداً)؛ لكن جليبيباً خرج إلى الغزوة بعد وقتٍ قصير من الزواج ومات، قال ثابت: فما وجدنا امرأةً أنفق منها في المدينة.
كل يريد الظفر، كلٌ يريد أن يتزوجها ويحظى بالعيش معها.
هكذا إذا أردنا الاحتجاج أورثنا أمثال هؤلاء، فليس عندنا في أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم نكرة على الإطلاق، فكلهم أعلام أفذاذ كالجبال الشامخة، إن بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم دخل على زياد بن أبيه وكان رجلاً غشوماً، فقال له: يا بني! إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (إن شر الرعاة الحطمة، فلا تكن منهم) شر الرعاة الحطمة، عندما يكون راعي غنم، وليس عنده حلم، فكلما يصطاد غنمة يضربها، إذاً: سيموت الغنم ولن تبقى معه غنمة، فشر الرعاة الذي يحطم، الغشيم، الذي ليس عنده حلم، فيقول له: (إياك أن تكون منهم) فرد زياد بن أبيه عليه فقال له: اجلس، فإنك من نخالة أصحاب محمد.
أي: أنت لست من الأكابر، أنت من الحثالة، من الذين لا يزنون شيئاً، فرد عليه عائد بن عمرو الصحابي الجليل رضي الله عنه فقال له: أوفيهم نخالة؟ لا.
والله إنما كانت النخالة في غيرهم وبعدهم -أي: يعرض به- وأما هؤلاء فليس فيهم نخالة على الإطلاق.
فهذا النمط هو الذي نحتج به؛ لكن أحياناً نذكر بعض نماذج من الكفرة؛ من باب استثارة الهمم، لما ترى الرجل الدون الحقير، الذي يقاتل للتراب يرتفع وأنت صاحب دعوة الحق، ما زلت ضعيف الهمة فهذا يحفزك.
هناك ولاية من ولايات أمريكا اسمها ولاية هيوبتن، وهيوبتن اسم رجل، هذا الرجل خطب في البرلمان الأمريكي خطبة بليغة جداً خطف بها قلوب الأعضاء، وبعد انتهاء الخطبة قال له الرئيس الأمريكي: إن ولاية هيوبتن التابعة لكندا ولاية حيوية وخطيرة، ونحن نريد أن نضمها إلى أمريكا، وقد ابتعثتك لهذه المهمة.
فقال له: اعطني مالاً ورجالاً وآتيك بها.
قال له: لو كان عندي مالٌ ورجال ما انتدبتك، ولكن تذهب وحدك بلا دولار واحد سوى الرجل الذي سيعبر بك النهر إلى هناك.
وذهب الرجل الذي عنده ولاء أرضي، وكان عظيم الخطابة، فالمتهم الذي لبسته كل أسباب الإدانة يخرجه بريئاً منها، ومضى على هذا، وأخذ الصيت العظيم العريق العالي في البلد، بعدما كان له هذا الصيت بدأ يخاطب الناس عن ضرورة الاستقلال عن كندا، واستطاع بعد فترة من الزمن وبعد قناعة السكان أن يحقق طموحه، فاستقل أهل الولاية عن الوطن الأم وانضموا إلى أمريكا، ورجع الرجل إلى بلده بهذه الولاية بغير رصاصة واحدة، فأبقوا اسمه على أشهر مدينة في أمريكا: ولاية النصر؛ تخليداً لذكراه.
وهذا الرجل حقير، ليس له قيمة، لكنه استطاع أن يصل إلى مراده بالدجل والباطل، وفعل الذي يريد، ونحن معنا كتاب الحق، الكتاب المهيمن على كل الكتب، الكتاب الوحيد الذي ليس فيه نقطة واحدة ليست منه؛ لأن الله عز وجل هو الذي تولى حفظه بنفسه، لو وكل حفظ الكتاب إلينا لبدلنا وحرفنا مثل اليهود والنصارى، لكنه حفظه تبارك وتعالى: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} [الحجر:٩] معنا هذا الكتاب العظيم وعجزنا عن استرداد بيت المقدس الذي اغتصبه اليهود.
وهذا كله بسبب ضعف الهمم والعزائم.
فعلو الهمة هو وقود استمرار في عقيدة الولاء والبراء، الضريبة التي تدفعها كل يوم لولائك لله ورسوله، وبراءتك من أعداء الله ورسوله، ولا يصبر عليها إلا ذو همة.
قال بعض العلماء: إن القلوب جوالة: قلب يطوف حول العرش، وقلبٌ يطوف حول الحش.
وأغلب أغنياء الأرض قلوبهم من النوع الثاني، قلوبهم تطوف حول الحُش، فكل حياتهم أكل وشرب، ونزه وفسح، وقضاء للشهوات، فهذا الشاب شبابه الذي ذهب ولا قيمة له حتى في الدنيا، وكانت هذه الجنازة المهيبة التي تذكرنا بجنازة تشرشل رئيس وزراء بريطانيا في الحرب العظمى، والجنازة المهيبة هذه للمفاخرة، وهو لا قيمة له حتى في الدنيا، بل على العكس، خرجت الصحف تتكلم وتقول: أصحاب الدماء الزرقاء كيف لهم أن يمسوا بشرة الأميرات؟ وهم يقولون: إن العرب جرب.
ما هي حياة هذا الشاب؟ يقولون: كان هوايته اقتناء النساء مثل الميدالية، كما أنك تحب أن تقتني ميدالية أو كتاباً، وتقتني شيئاً نفيساً، فهذا كانت حياته اقتناء النساء الجميلات، والسهر في الملاهي الليلية.
أبوه ثري جداً، رجل في غناء فاحش إلى أبعد الحدود، له الطائرات الخاصة، وكراج كامل، كراج كبير جداً، كل الكراج هذا عبارة عن سيارات حديثة في العالم، سيارات لا يقدر أن يقتنيها أحد، يركب كل سيارة في السنة مرة، وهذا مثل أحذية العندليب الأسمر التي هي إلى حد الآن موجودة ومعروفة، وأنا لا أعلم لماذا احتفظوا بها حتى الآن! وكلما تأتي الذكرى السنوية يقومون بأخذ لقطة للأحذية، ما الأمر؟! الأحذية هينة أو ماذا؟ يقولون لك: الفقيد والمأسوف على شبابه كان يلبس سبعة عشر جزمة! أرأيت عقول هؤلاء الناس؟! فهذا لديه مليارات ما الذي خرج به وقد صار رهين قبر منبوذ في ضاحية من ضواحي لندن؟! ما قيمة دنياه كلها، وما قيمة ما فعل؟ لا قيمة لها على الإطلاق: {ثُمَّ رُدُّوا إِلَى اللَّهِ مَوْلاهُمُ الْحَقِّ أَلا لَهُ الْحُكْمُ وَهُوَ أَسْرَعُ الْحَاسِبِينَ} [الأنعام:٦٢]، ما أحسن هذه الآية! تهز القلب هزاً: {ثُمَّ رُدُّوا إِلَى