للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[وفاء المرأة الصالحة وحسن شمائلها سبب لمحبتها]

في الحديث: (أن النبي صلى الله عليه وسلم أراد أن يحطم وثناً فوق الكعبة، فانطلق مع وعلي بن أبي طالب، وأراد النبي صلى الله عليه وسلم أن يصعد فوق أكتاف علي ليكسره، فعجز علي عن حمله، فقال النبي صلى الله عليه وسلم، له: اصعد أنت، فصعد علي على أكتاف النبي صلى الله عليه وسلم وأتى بالوثن فكسره) فقالوا: إن من خصائص علي أن النبي صلى الله عليه وسلم، حمله ولم يحمل أحداً غيره، فرد شيخ الإسلام ابن تيمية -العالم الرباني المفتوح عليه- بقوله: لا شك أن من انتفع به النبي صلى الله عليه وسلم خير ممن انتفع بالنبي صلى الله عليه وسلم؛ ولذلك كان أبو بكر الصديق أفضل من علي بن أبي طالب؛ لأنه نفع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال عليه الصلاة والسلام: (لو كنت متخذاً من أهل الأرض خليلاً لاتخذت أبا بكر خليلاً، وليس لأحدٍ علينا منة ولا يدٌ إلا أبو بكر فله عليّ يدٌ يجزيه الله بها) وكأنه يقول: أنا لا أستطيع أن أجزيه بها، إنما الذي يجازيه هو الله تبارك وتعالى، فانتفاع النبي صلى الله عليه وسلم بـ أبي بكر أكثر من انتفاعه بأي أحدٍ؛ فلذلك كان هو الأفضل، فـ خديجة كانت أفضل النساء؛ لأنها نفعت الرسول عليه الصلاة والسلام، فقد نصرته في وقت عزَّ فيه النصير، وأنت إذا أردت أن تعرف شمائل الناس ونعوت الخلق فاختبرهم في وقت المحن ووقت الشدائد.

جزى الله الشدائد كل خيرٍ عرفت بها عدوي من صديقي وقال آخر: لولا اشتعال النار فيما جاورت ما كان يعرف طيب عَرْفِ العود فخديجة رضي الله عنها أفضل النساء، ويدل على ذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم لـ عائشة لما قالت له: (لقد أبدلك الله خيراً منها، قال: لا والله، ما أبدلني الله خيراً منها)، وفي صحيح مسلم: (أنها أكثرت على النبي صلى الله عليه وسلم من اللوم في الثناء على خديجة، فقال لها: إني رزقت حبها) فحب الرجل للمرأة رزق كالولد والمال، فمقصود النبي صلى الله عليه وسلم: (يا عائشة! لا تلوميني، فأنا مغلوبٌ على الثناء عليها؛ لأني رزقت حبها).

وحب الرجل للمرأة هو بسبب شمائلها.

المرأة -أحياناً- تريد أن تسمع الثناء من الرجل بلسانه، مع أن الرجل يعاملها معاملة جيدة، وهي تلمس الحنان في تصرفاته وفي كرمه وعطفه وإغضائه عما يرى منها من المكروه، لكنها تحتاج إلى الكلام الحسن، فإذا الرجل لم يتكلم معها بكلام معسول تبدأ المرأة بلومه ومعاتبته وتقول: لماذا لا تقول لي كذا وكذا، فتلقنه كلاماً تريد أن يقوله لها، فالرجل قد يكون مقراً بفضلها ومعروفها لكنه لا يحسن صناعة الكلام، أو ربما لم يتكلم من علةٍ عنده، فالمرأة العاقلة لا تحمله على الكلام حملاً، وكل إنسان قد لا يعترف بالمعروف علانيةً، ولكنه يعترف بينه وبين نفسه في لحظة الصفاء، عندما يسكن يبدأ يقلب الأحداث، فتمر عليه المواقف، فيعرف الوفي من غير الوفي، ويعترف بذلك بينه وبين نفسه.

إنك قد تخدع كل الناس في بعض الوقت، لكنك لا تستطيع أن تخدع كل الناس كل الوقت، كل إنسان له لحظات يصفو فيها، فالمرأة لا تكدر صفو زوجها، لاسيما إذا لمست منه العشرة بالمعروف، وهنا قصة أذكرها لكم، وهي: رجل مرضت امرأته، فبكى عليها بكاءً شديداً، فقال له بعضهم: لِمَ تبكي عليها هذا البكاء؟ فقال: إنني أخشى لو ماتت ألا أجد مثلها، ثم شرع يقص بعض شأنها معه، يقول: لقد كانت ابنة مقاول كبير وشهير وصاحب مال، وكنتُ عاملاً عنده، فلما لمس المقاول مني الإخلاص والأمانة والجد والتفاني جعلني رئيساً للعمال، فمارست عملي الجديد بكل إخلاص وود، فأراد الرجل الذكي أن يحتفظ بماله عند يد أمينة، فقال: أزوج ابنتي من هذا الرجل، فزوجني ابنته، فحفظت هذا المعروف، وكنت فقيراً، لم يكن عندي من المال ما أستطيع أن أجعلها في مستوى معيشة أبيها، فكانت الأيام تمضي علينا لا نأكل لحماً، وكان موعدنا كل يوم جمعة عند أبيها على مائدة الغداء، فيأتي والدها بما لذ وطاب وما تشتهيه الأنفس وتسر به الأعين، قال: فكانت لا تأكل شيئاً من اللحم ولا الدجاج ولا البط، فيقولون لها: لِمَ لا تأكلي؟ فقالت: لقد تعبنا من كثرة أكل هذه الأشياء، نأكل دجاجاً ولحماً وبطاً كل يوم، رغم أنها تأكله ولا تراه، فهذه ليست من النساء اللواتي كلما حصل لهن شيء قدمن الشكاوى إلى أهلهن.

يقول: وظلت على ذلك زمناً وأنا لا أعرف، حتى قالت لي والدتها: لا تجعل ابنتي تأكل لحماً دائماً حتى لا تأتي إلينا ولا تأكل معنا، فذرفت عيني، وصرت آخذ لها جزءاً من اللحم، فقلت له: يحق لك أن تبكي، فالمرأة لا تفضح زوجها ولا تكشف ستره أبداً.

ليت نساءنا يتعلمن من خديجة رضي الله عنها، فقد استدلت على جميل نعوته فقالت: (إن الله لا يخزيك) فقد يبتلي الله عز وجل المؤمن، لكن لا يخزيه.

ولذلك لم تقل: لا والله، لا يبتليك الله أبداً، بل قالت: لا والله، لا يخزيك الله، يبتلى المؤمن لكن يخرج من الدنيا بشرف، يخرج من الدنيا بالثناء الجميل والذكر الحسن بين الناس، مثل: الإمام أحمد بن حنبل.

كان الإمام أحمد بعد المحنة أفضل منه قبل المحنة، وأخذ لقب إمام أهل السنة بجدارة، كما كان داود عليه السلام أفضل بعد المعصية منه قبل المعصية -المعصية التي ذكرها الله عز وجل في سورة ص- كما يقول ذلك ابن تيمية رحمه الله.

فالإمام أحمد زكا ونما وصار اسمه علماً مع كثرة نظرائه في زمانه، كان هناك ألوف العلماء مثل أحمد بن حنبل في الذكر والعلم؛ وصار إماماً يقتدى به في علم الحديث وفي غيره من العلوم؛ وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء.

استدلت خديجة على قولها: (كلا، لا يخزيك) بقولها بعد ذلك: (إنك لتصل الرحم، وتكسب المعدوم، وتحمل الكل، وتساعد الضعيف، وتعين على نوائب الحق) وفي غير صحيح البخاري، قالت: (وتؤدي الأمانة، وتصدق الحديث)، المرأة تعلم كل هذا من زوجها بالعشرة، لأن الرجل قد يخدع الناس في الخارج؛ لكن إلى متى يجامل امرأته؟ فهذه المرأة هي التي تعرف أسرار زوجها، ولذلك عندما يموت أحد الكبراء يذهبون إلى امرأته فيسألونها عنه، وسيرة النبي صلى الله عليه وسلم في بيته من الذي جلاها لنا إلا أزواجه، إذا كنت تريد أن تعرف صدق الرجل ونبله فاسأل امرأته، بشرط أن تكون امرأة تتقي الله تبارك وتعالى وتخشاه، فلذلك خديجة كانت أفضل من عائشة رضي الله عنها للنبي صلى الله عليه وسلم، وهذا سر فضلها على عائشة، نصرته في وقتٍ عزَّ فيه النصير.

يقول صلى الله عليه وسلم: (وواستني بمالها)، وليس على الرجل غضاضة أن يستفيد من مال امرأته؛ لكن الرجل -أحياناً- لا يأخذ المال من امرأته لعلةٍ عنده، لكن إذا انتفت العلل فلا غضاضة عليه أن يستفيد من مال امرأته، كما استفاد ابن مسعود من مال امرأته، ومن قبله سيده وسيدنا صلى الله عليه وسلم عندما استفاد من مال خديجة، إذا كنت لا تخشى من امرأتك المن والأذى فاقبل مالها.