للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[ضابط في الغيبة]

إذا كان الكلام على جهة التعريف بالأشخاص فلا مانع، أما إذا كان على جهة التنقيص فلا يجوز، ومن هنا نجمع بين قوله صلى الله عليه وسلم: (ما فعل القوم الجعد القصار)، وبين قول عائشة رضي الله عنها: (حسبك منها أنها قصيرة)، السيدة عائشة رضي الله عنها خرجت الكلمة منها على جهة التنقيص، لذلك كانت حراماً وكانت غيبة، إذا لا مصلحة من ذكر أنها قصيرة، بخلاف النبي صلى الله عليه وسلم: (ما فعل القوم الجعد القصار)، فإنه جرى مجرى التعريف لهم، كما لو قلت أنت: فلان الأعرج الذي يسكن بجانبنا، هل تعرفه؟ أو الأعمى أو الأحول، كل هذه العيوب، أنت أجريتها مجرى التعريف؛ لكن إذا خرجت من التعريف إلى التنقيص أو التحقير كان غيبة؛ كأن يأخذ المتكلم من نفس اسم الإنسان سباً، أو يجزئ الاسم إلى مقطعين فيصبح سباً أو لعناً أو نحو ذلك؛ فهذا كله محرم لا يجوز؛ إذ لا مصلحة في ذلك إلا الهجاء وهو محرم.

مثل نفطويه - نفطويه أحد علماء النحو الكبار- ولقب بـ نفطويه، على مقياس سيبويه؛ لأنه جرى على طريقة سيبويه في النحو.

كان بين نفطويه وبين ابن دريد، صاحب كتاب جمهرة اللغة، ما يكون بين الأقران من التنازع والتنافر، فقال نفطويه: ابن دريد بقرة فيه لؤم وشره قد ادعى بجهله وضع كتاب الجمهرة وهو كتاب العين إلا أنه قد غيره يقول: إن كتاب الجمهرة أصلاً ليس من تأليف ابن دريد، بل أخذ كتاب العين، وسطا عليه، وقدم فيه وأخر، ونسبه لنفسه، فـ ابن دريد هجاه وقال له: من سره أن لا يرى فاسقاً فليجتهد أن لا يرى نفطوَيْه أحرقه الله بنصف اسمه وصير الباقي نواحاً عليه نفطويه: نفط، أي: بترول، أحرقه الله بالنصف الأول من اسمه، يعني بالجاز، وجعل الباقي صراخاً عليه: ويه ويه، ويه.

فهذا قطع اسمه نصفين على سبيل الهجاء وعلى سبيل الذم، وهذا لا يجوز.

وقد اختلف العلماء في ضبط اسم نفطويه وكل من جرى هذا المجرى، هل هو نِفْطَوَيْه، أو نِفْطُويَه، فأهل اللغة يقولون: (نفطُويَة، سِيُبَوُيَة، زَنْجُوُيَة، مَنْجُوُيَة)، هذه كلها ألقاب لعلماء، وأهل الحديث يقولون: (سِيْبَوَيْه، نِفْطَوَيْه، زِنْجَوَيْه، مِنْجَوَيْه وهكذا)، وطبعاً واضح أن أهل الحديث أخف وألطف؛ لأن نطقهم نفسه لطيف، فهم يذكرون الضبطين في نفطويه، فـ ابن دريد على ضبط أهل الحديث: من سره أن لا يرى فاسقاً فليجتهد أن لا يرى نفطوَيْه إلى آخر ما قال.

ابن بسام جرى على مجرى علماء اللغة، فقال: -وهذه الرؤيا ادعاها ابن بسام وسنذكر حكمها عند الكلام على الرؤى وأحكامها-: رأيت في النوم أبي آدماً صلى عليه الله ذو الفضل فقال أخبر ولدي كلهم من كان في حزنٍ وفي سهل بأن حوا أمهم طالقٌ إن كان نفطوية من نسلي فهو حين: رأيت في النوم أبي ويقص هذا الكلام، فهذا الفعل محرم؛ لأنه قال عليه الصلاة والسلام: (من أرى عينيه ما لم تريا، فليتبوأ مقعده من النار)، وقال: (من تحلم حلماً كلف يوم القيامة أن يعقد شعيرة وليس بفاعل)، وهذا سنذكره عند الكلام على الرؤى وأحكامها، أن الإنسان لا يجوز له أنه يدعي أنه رأى حلماً، لكي يخيف شخصاً مثلاً، رجل عرف عنه بأنه يأكل أموال اليتامى ظلماً، فيقول شخص من أهل الخير -وهو كاذب في ذلك- لأبناء هذا المعتدي: رأيت أباكم في المنام موثقاً بالقيود، وإذا بشخص يضربه قائلاً له: أموال اليتامى يا مفتري أكلت مال النبي، وغايته من اختلاق هذه الرؤيا تخويف هذا الرجل الذي يأكل أموال اليتامى، فلا يجوز أن يفتري هذا الحلم بسبب الخير هذا؛ لأن الرسول عليه الصلاة والسلام منعنا أن نفتري في الأحلام؛ لأن الأحلام مبشرات، والأحلام لا يؤخذ منها أحكام شرعية؛ لأن الأحلام مبشرات، وهي جزء من النبوة، فلو ترك الناس هكذا، للعبوا بالنبوة، كما قال مالك: أيلعب بالنبوة؟!