إن الحمد لله؛ نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله تعالى من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا ًعبده ورسوله.
أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وأحسن الهدي هدي محمد صلى الله عليه وآله وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.
قال الله عز وجل:{إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوّاً إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ}[فاطر:٦]، فقد لخصت الآية عمل الشيطان ومراده، وأنه إنما يدعو الناس ليدخلوا النار، وهكذا كل من في قلبه غل إنما يتمنى أن يقع الناس في السوء، كما قال عز وجل: {وَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ كَمَا كَفَرُوا فَتَكُونُونَ سَوَاءً) [النساء:٨٩].
فكل من في قلبه غل يتمنى النار للناس، ولقد رأينا هذا في الذين انتحلوا فكر الخوارج من أهل التكفير، لا تقر عينه إلا إذا حكم بالكفر على كل الناس، ومن ارتكب أدنى مخالفة فهو من أهل النار عنده، عنده غل، كلما غضب تمنى أن يهلك غيره، وهذا التصرف في الحب والبغض، كما قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه لـ أسلم مولاه، قال:(يا أسلم لا يكن حبك كلفاً ولا يكن بغضك تلفاً، إذا أحببت كلفت كما يكلف الصبي، وإذا أبغضت تمنيت التلف لمن أبغضته).
فالشيطان يدعو الناس إلى النار، هذا هو مراده، مفردات شره التي وضعها في الأرض على مذهبه لا تدخل تحت الحصر، لكننا حصرناها في الجمعة الماضية في ستة أجناس من الشر، هي كالأعمدة والطرق، كل فرد من مفردات عمل الشيطان إنما تندرج تحت جنس من هذه الستة.
الجنس الأول من الشر: أن يدعو الناس إلى الكفر، فإن أنجى الله العبد من الكفر دعاه إلى البدعة، فإن نجا من البدعة ولزم طريق السنة أوقعه في الكبائر، فإن نجا من الكبيرة أوقعه في الصغيرة، فإن نجا من الصغيرة شغله بالمباح الذي لا ثواب فيه ولا عقاب عن الأهم، فإن نجا من هذه شغله بالمفضول عن الفاضل، وإن كان المفضول خيراً أيضاً.
لابد أن يضع أمامه عقبة من العقبات، فإذا كان الشر مستطيراً إلى هذا الحد، فكيف غفل الناس عن تتبع مذهب الشيطان، حتى يجتنبوه.
عرفت الشر لا للشر ولكن لتوقيه ومن لا يعرف الخير من الشر يقع فيه