للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[إبراهيم يتعرف على ربه ويبحث عن صفاته]

هناك جماعة يحتجون بقصة إبراهيم عليه السلام في رؤية الكوكب والشمس والقمر على أن ربنا يعرف بالعقل، قال لك: إبراهيم عليه السلام فكر بعقله في الكوكب ثم القمر ثم الشمس، وأنه عرف ربنا سبحانه وتعالى بالعقل، وهذا خطأ، وقولهم: (ربنا يعرف بالعقل فقط) هذه عبارة خاطئة وغلط.

إن الله عز وجل لا يعرف إلا عن طريق الرسل، كما أن معرفة الله منحة من الله وهدية، وإلا لو جاز أن يكون العقل مستقلاً بمعرفة الله لما كفر عالم الذرة، وآمن الرجل الفلاح البسيط الذي يشتغل في الأرض.

عالم هندوسي كان يعمل في محطة الفضاء الأمريكية، وبينما هو يركب سيارته الفارهة بأمريكا إذ أبصر عجلاً في الطريق، فأوقف السيارة ونزل وسجد للعجل، ثم واصل الطريق إلى محطة الفضاء! فلو قسنا عقل هذا الإنسان بعقل رجل بسيط فلاح يعمل في الأرض، فأيهما أكبر بمقياسنا: هذا عالم فضاء وعقله كبير، ومع ذلك يسجد للعجل، وهذا الرجل البسيط إذا أصابته مصيبةٌ قال: إنا لله وإنا إليه راجعون، أو إذا أصابته سراء حمد الله عز وجل؟ فمن أين جاءه هذا الهدى؟ والثاني سجد للعجل، وهذه عقليته، لا تقل لي: العقل يستقل بمعرفة الله فمعرفة الله هدية، ومنحة من الله، ثم يأتي دور العقل بعد ذلك تبعاً لهذه المنحة، فكلما كان العقل أرحب كان إيمانه أرسخ، لكن لا يستقل أبداً بمعرفة الله.

وليس في هذه القصة ما يدل على ذلك؛ لأن الله عز وجل قدم للقصة بلفظةٍ عرَّفتنا خطأ هذه المقالة، قال تعالى: {وَكَذَلِكَ نُرِي} [الأنعام:٧٥]، من الذي أراه الآيات الكونية، وقال تعالى: {وَلَقَدْ آتَيْنَا إِبْرَاهِيمَ رُشْدَهُ مِنْ قَبْلُ وَكُنَّا بِهِ عَالِمِينَ} [الأنبياء:٥١]، فتوجه إبراهيم عليه السلام إلى ربه منحة من الله، ثم أعمل عقله الكبير، بعد هذا التسديد بالبحث عن صفات إلهه.

لا تغضب وتقول: إن إبراهيم كان يبحث عن الله، ما كفر إبراهيم بالله طرفة عين، ولا شك في وجوده طرفة عين، إنما كان يبحث عن صفات إلهه بعدما استيقن أن له رباً، وأن له إلهاً ولمّا يأته الوحي بعد، فأخذ يبحث عن صفات إلهه.