[الطعن في الرموز هو دأب المنافقين في القديم والحديث]
الطعن على الرموز مقصود، ولا زال هذا دأب المنافقين منذ القديم فهذا عبد الله بن أبي ابن سلول رأس المنافقين لما أشاع عن عائشة رضي الله عنها حديث الإفك، إنما قصد النبي صلى الله عليه وسلم ولم يقصد عائشة، إنما كانت سبباً فقط، أراد أن يقول: إن امرأة النبي صلى الله عليه وسلم زانية: أراد أن يقول هذا وقصده الطعن عليه صلى الله عليه وسلم، ولذلك كاد المسلمون أن يقتتلوا ليس لـ عائشة رضي الله عنها في حد ذاتها، إنما لما ألم بالنبي صلى الله عليه وسلم من التجريح والطعن؛ وذلك باتهام امرأته بالزنا.
ولا تزال حرب إسقاط الرموز حرباً خسيسةً خبيثةً، والآن هي تدور على أشدها، الطعن على صحيح البخاري، وعلى صحيح مسلم بشبهات تنطلي على كثير من الناس فيظن بعضهم أن كل من أمسك قلماً كان عالِماً.
فدع عنك الكتابة لست منها ولو سوَّدت وجهك بالمدادِ العالِم لا يكون عالماً إلا بأصول؛ لكن الخطورة على العوام، الذين لا يفرقون بين العالم وشبيه العالم، وشتان بينهما استدلالاً واستنباطاً وفهماً.
يُذَكِّرني هذا الخلط بين العالم وبين شبيه العالم بقصة رواها أبو الفرج الأصفهاني في كتاب: الأغاني فيقول: إن الشاعر ثابت بن جابر المشهور بـ (تأبط شراً) لقيه رجل أحمق من ثقيف يكنى أبا وهب، فقال له أبو وهب: بم ترعب الرجال يا ثابت وأنت كما أرى دميماً وضئيلاً؟ قال: باسمي، ساعة ألقى الرجل أقول له: أنا تأبط شراً فينخلع قلبه، فآخذ منه ما أريد.
فقال له أبو وهب: أبهذا فقط؟ قال: نعم.
فقال له أبو وهب: فهل تبيع لي اسمك؟ فقال له تأبط شراً: بكم؟ قال: بحلتي -وكان يرتدي حلة جديدة جيدة-، وبكنيتي أي: أعطيك حلتي وكنيتي وأنت تبيعني اسمك.
فقال له تأبط شراً: اتفقنا، هات الحلة، فأخذ حلته وقال له: أنت تأبط شراً وأنا أبو وهب.
ثم أنفذ تأبط شراً أبياتاً ثلاثة يخاطب فيها زوجة هذا الثقفي الأحمق فقال فيها: ألا هل أتى الحسناء أن حليلها تأبط شراً واكتنيت أبا وهب فهبه تكنى بي وسماني اسمه فأين له صبري على معظم الخطب وأين له بأس وبأسي وسورتي؟ وأين له في كل فادحة قلبي هو أخذ اسمي نعم؛ لكن هل أخذ قلبي؟ وهل أخذ جرأة جناني على الأحداث؟ وهل أخذ صبري عندما أخذ اسمي؟ فهكذا شبيه العالم يلبس أزياء العلماء؛ لكنه في الحقيقة ليس عنده شيء من العلم، فليس كل من أمسك قلماً كان عالماً.