[العقل يحكمه الشرع]
ثم تنقد الرواية فتقول لك: الرواية هذه لا يمكن للعقل أن يقبلها، والله عز وجل لم يشرع شيئاً يخالف العقل، أي شيء يرفضه العقل السوي المستوي فليس من الممكن أن ينزل في الشرع شيء يخالفه ويضاده.
نقول: نعم.
لكن عقلك أو عقل فلان أو عقل أبي إردان الذي نحن نرد عليه الآن.
لكن عندما تختلف كل هذه العقول أليس من اللازم وجود حاكم يرجعون إليه عند التنازع، أليس كذلك؟ ألا يكون هذا العقل الحاكم هو عقل الرسول عليه الصلاة والسلام؟! لو نحن تكلمنا بهذا المستوى، أليس هو الذي ينبغي أن نرجع إليه في التحاكم؟ هذا اختلف! وهذا اختلف! وهذا اختلف! وكقضبان القطار خطان متوازيان، إذاً ماذا نفعل؟ أليس يوجد عقل ثالث يحكم بينهم؟ حتى في القضاء والقوانين يقولون: السلطة القضائية للفصل بين السلطات، السلطة هذه اختلفت وهذه اختلفت وهذه اختلفت، يقول لك: القضاء لا يعرف لمن يحكم، لا بد أن يرجع إلى عقل في النهاية تجتمع عليه كل هذه العقول.
فهي تقول: هذا الحديث مخالف للعقل، طيب أين الخلاف فيه؟ تقول لك: إن حديث البخاري ومسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم جاء في يوم عيد، فذكر النساء ووعظهن، وقال: (يا معشر النساء! تصدقن، فإني رأيتكن أكثر أهل النار، فقامت امرأة من سطة النساء، فقالت: لم يا رسول الله؟ قال: إنكن تكثرن اللعن، وتكفرن، فقلن: نكفر بالله؟ قال: لا.
تكفرن العشير -أي الزوج- وتكفرن الإحسان، وإذا أحسن الرجل إليكن الدهر، لقلتن: ما رأينا منك خيراً قط).
ما هو المنافي للعقل هنا؟ تقول لك: الرسول عليه الصلاة والسلام صاحب الأخلاق، يأتي في يوم عيد بدلاً من أن يقول: (كل سنة وأنتم طيبون) يقول: أنتن في جهنم وبئس المصير! أهذا الكلام يعقل!! من صاحب الأخلاق.
رأيت العقل المستوي!! فتقول لك: لا.
وصحة السند لا تستلزم صحة المتن.
ليس أضر على العلوم من دخول غير أهلها فيها، روي أن خالد بن صفوان الخطيب البليغ المشهور، وهذا الرجل كان من أبلغ الناس، فدخل يوماً الحمام، وكانت الحمامات عامة، فجاء رجل من غبراء الناس بابنه إلى الحمام، فرأى ابن صفوان، فيريد أن يبين لـ ابن صفوان أنه ليس هو وحده البليغ، فأنا أيضاً بليغ أتكلم العربية بالسليقة، قال: (يا بني! ابدأ بيداك ورجلاك) الباء هذه تجر بلداً، لأنها حرف جر والأصل أن يقول: (يا بني! ابدأ بيديك ورجليك)؛ لكنه يريد يعرفه أنه ليس أنت لوحدك المتفرد بالبلاغة في الدنيا، أنا كذلك موجود: (يا بني! ابدأ بيداك ورجلاك)، ثم التفت إلى خالد كالمتباهي، وقال: يا ابن صفوان هذا كلام قد ذهب أهله، فقال له ابن صفوان: هذا كلام لم يخلق الله له أهلاً قط.
فعندما يدخل من هؤلاء على سيبويه يريد يتلاحن عليه، فأعظم ضرر على العلوم أن يدخل غير أهلها فيها.
شخص قابل رجلاً وكان لحاناً كلما ينطق جملة يقول له: يا أخي! هذا مرفوع، وهذا مكسور، وهذا منصوب، لا يستطيع التكلم معه، كلما تكلم عدله، فجاء الرجل العالم، وطرق عليه الباب وقال: أخوك هنا؟ قال له: لا، لي، لو! أنا لو قلت: لا، ستقول: لي، لو، خذ الثلاثة واختر أحدها.
لا لي لو! وقابل رجل لحان رجلاً آخر لحاناً فقال له: من أين أتيت؟ قال: أتيت من عند (أهلونا)، فقام اللحان الآخر فقال: قاتلك الله ما أفصحك! أنا أعلم من أين أخذتها: (شغلتنا أموالنا وأهلونا)، الرجل يتكلم بالقرآن.
فعندما يدخل هؤلاء في العربية كم من الفساد يحصل أو عندما يدخل هذا البيطري في علوم الدين والحديث والفقه والاستنباط وهو ضعيف الملكة، متخلف النظر فيها، كم يكون من الجناية إذا ترك أمثال هؤلاء؟!