للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[قصة مقتل كعب بن الأشرف]

ومن ذلك ما رواه الإمام البخاري وغيره من حديث جابر بن عبد الله الأنصاري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (من لـ كعب بن الأشرف فإنه قد آذى الله ورسوله).

وضع الإمام البخاري هذا الحديث في (كتاب الجهاد)، وبوب عليه بقوله: (باب الكذب في الحرب)، ورواه بسياق أطول في (كتاب المغازي)، فقال عليه الصلاة والسلام: (من لـ كعب بن الأشرف؛ فإنه قد آذى الله ورسوله، فقال محمد بن مسلمة: أنا له.

وكذلك قال أبو نائلة).

فـ محمد بن مسلمة ابن أخت كعب، وورد في نفس الحديث في البخاري: أن كعب بن الأشرف قال: أهذا أخي أبو نائلة، وهو أخوه من الرضاعة.

إذاً: اللذان كذبا من أجل قتل كعب بن الأشرف، أقرب الناس إليه، ابن أخته وأخوه من الرضاعة، فقال محمد بن مسلمة: أتأذن أن نقول له شيئاً، فكلمة (شيئاً) المقصود به الكذب، قال: نعم، قال: أتأذن أن نقول له: كذا وكذا ورد في بعض الطرق، أن نقدح في رأيك وفيما ذهبت إليه؟ قال: نعم.

فجاء محمد بن مسلمة وأبو نائلة، فنادوا كعباً، فقالوا له: إن هذا الرجل قد أتعبنا، وإنه يطلب منا صدقة، فقال كعب: والله لتملنه -أي: إن هذا أول شيء يفعله وسيأخذ منكم زكاة كل مرة- وفي رواية خارج الصحيح فقال لهم: فما حملكم أن تتبعوه، فقالا له: حتى نعلم إلى ما يئول أمره، وقد جئناك نستلف وسقاً أو سقين من الشعير، فقال: ارهنوني نساءكم -انظر اللؤم يريد امرأة مقابل وسق! - كيف نرهنك نساءنا وأنت أجمل العرب؟! فاغتر الرجل وقال: ارهنوني أبناءكم، قالوا: نرهنك أبناءنا فيسب أحدهم فيقال: رهن بوسق من شعير هذا عارٌ علينا، ولكن نرهنك اللأمة، وهي درع الحرب، وهذا هو الذكاء، فبادروه حتى لا يعرض عليهم عرض آخر، فيقول: ارهنوني آباءكم، وعرضوا عليه اللأمة حتى لا يساوره الشك فيقول: لماذا أحضروا معهم السلاح؟ فهم بهذا العرض يزيلون الشك الذي في نفسه وكأنهم يقولون: إنما أتينا بالسلاح لنرهنه- ثم ناداهُ أبو نائلة، وقال: يا كعب انزل وكان حديث عهد بعرس، فلما سمعت امرأة كعب صوت أبي نائلة قالت: إني أسمع صوتاً يقطر منه الدم، فقال كعب: إنه محمد بن مسلمة، ورضيعي أبو نائلة وإن الكريم إذا دُعي إلى طعنةٍ بليلٍ أجاب، فنزل والطيب ينفح منه، فقال محمد بن مسلمة: ما رأيت مثل هذا الطيب، فقال: عندي أجمل العرب وأعطرها، فقال محمد بن مسلمة: أتأذن لي أن أشم رأسك؟ فأذن له، فأمسك رأسه، ولما استمكن منه قال: دونكم عدو الله فاقتلوه، فقتلوه ورجعوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم فدعا لهم، وهذا إنما أخذوه بالحيلة.