[صورة أخرى تطعن في نبينا صلى الله عليه وسلم]
إن ساب النبي صلى الله عليه وسلم حده القتل ولو تاب، ولو أظهر التوبة، رعايةً لجناب النبي صلى الله عليه وسلم، ولأننا لو تركنا الساب ليقول: تبت، ثم يرجع ويسب: تبت؛ لاستهانوا بجناب النبي عليه الصلاة والسلام.
ولكنه يقتل.
إن الكافر التافه الذي لا يتكلم أهون من السابّ؛ ولذلك فقد فرق الرسول عليه الصلاة والسلام بين الكافر الذي لا يسب وبين الذي يسب، روى الإمام النسائي وأبو داود من حديث سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه قال: (أمّن رسول الله صلى الله عليه وسلم الناس جميعاً يوم فتح مكة غير أربعة رجال وامرأتين، قال: اقتلوهم ولو وجدتموهم معلقين بأستار الكعبة: مقيس بن صبابة، وعبد الله بن خطل، وعبد الله بن أبي سرح، وعكرمة بن أبي جهل.
فأما مقيس فأدركوه وقتلوه، وأما عبد الله بن خطل فأدركوه معلقاً بأستار الكعبة فقتلوه، وأما عكرمة ففر وركب البحر، وأما ابن أبي سرح فاختبأ عند أخيه من الرضاعة عثمان بن عفان رضي الله عنه، فلما دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى البيعة العامة، خرج عثمان بن عفان وخلفه ابن أبي سرح، ووقف بين يدي النبي صلى الله عليه وسلم، ثم قال: يا رسول الله! بايع عبد الله، فسكت، فقال: يا رسول الله! بايع عبد الله، فسكت، فقال: يا رسول الله! بايع عبد الله، فبايعه، ثم قال لأصحابه: أليس منكم رجلٌ رشيد إذ رآني كففت يدي عن بيعتي هذا أن يقوم إليه فيضرب عنقه؟ قالوا: يا رسول الله! هلا أومأت إلينا بعينيك؟ فقال: إنه لا ينبغي لنبي أن تكون له خائنةُ الأعين).
والسؤال الذي يطرح نفسه: جاء عبد الله بن أبي سرح تائباً فكيف يقتله والإسلام يجب ما قبله، وقد أسلم رجالٌ في فتح مكة كانوا من أكفر الكافرين وقبل منهم؟ فلماذا لم يقبل من ابن أبي سرح؟ لأنه كان يفتري على النبي صلى الله عليه وسلم، وكان يكتب الوحي له، فكان يقول: كنت أملي محمداً ما أشاء!! فافترى عليه، وطعن في أمانته، وهذا من أعظم الكذب؛ لذلك استحق القتل، بخلاف الكافر الذي سبق منه إحسان.
قال صلى الله عليه وسلم كما في الصحيح وقد نظر إلى أسرى بدر فقال:: (لو كان مطعم بن عدي حياً ثم خالطني في هؤلاء النتنى لأطلقتهم له)، فوصفهم بأنهم نتنى، وأخبر أنه لو المطعم بن عدي حياً ولم يسلم وجاءني ليفتدي هؤلاء لأعطيتهم له، مع أنه كافر، فما هو وجه التفريق بينهما وهذا كافر وهذا كافر؟ أن الثاني عنده نخوة وشهامة.
مثلاً: أبو طالب خفف الله عز وجل عنه العذاب -مع أنه كافر مخلد في النار- بسبب نصرته للنبي صلى الله عليه وسلم، وقال تعالى: {تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ} [المسد:١]؛ لأنه كان يسب النبي صلى الله عليه وسلم، ففرق بين كافر نصير، وبين كافر يسب ويؤذي، وهما بخلاف الكافر الكاذب، ولذلك فإن افترى على النبي صلى الله عليه وسلم لا يموت أبداً بخير، فإن الله عز وجل قال: {إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الأَبْتَرُ} [الكوثر:٣]، والأبتر: الأقطع من الخير.
وفي الصحيحين من حديث أنس رضي الله عنه: (أن رجلاً نصرانياً أسلم على عهد النبي صلى الله عليه وسلم، حتى قرأ البقرة وآل عمران وجد في نظر المسلمين، ثم إنه تنصر وكفر ولحق بالروم، وقال: أنا الذي كنت أملي على محمدٍ القرآن، فقصمه الله عز وجل وقطع عنقه، فدفنوه؛ فأصبح الناس وقد لفظته الأرض، فقالوا: هذا فعل أصحاب محمد، نبشوا على صاحبنا وأخرجوه، فأعمقوا ودفنوه، فأصبحوا وقد لفظته الأرض، فأعمقوا ودفنوه، فأصبحوا وقد لفظته الأرض، فجلس منبوذاً هناك).
ألم تضم الأرض بين جوانبها أكفر الكافرين؟ هل رأيتم الأرض لفظت كافراً؟ كم ضمت الأرض بين جوانبها من الكافرين وما لفظتهم ولفظت هذا؟ لأنه اعتدى على النبي صلى الله عليه وسلم وسبه بداء الخيانة، وأنه كان يملي عليه القرآن.
في الانتماء غيرة، ها هم اليهود خمسة عشر مليوناً، لو تطوعنا وبصقنا عليهم لأغرقناهم، ومما قتلني كمداً أن الأحاديث الصحفية ليل نهار بالذي يجري والذي لا يجري، ومع ذلك ما رأينا صوت دول دينها الرسمي الإسلام عقدت مؤتمراً صحفياً في الحال، وأنكرت هذا الفعل وتوعدت، وما ذاك إلا لأنهم كذبوا في دعوى محبتهم للنبي صلى الله عليه وسلم، ولأنه لا يعنيهم ذلك، ولا دولة حتى الآن تطوعت ورفعت رأسها وقالت: كيف يفعلون ذلك؟! أولا يستحق النبي صلى الله عليه وسلم هذا؟! أولا يستحق أن يعقد له مؤتمر صحفي في الحال، ويندد ويطرد السفير ذراً للرماد في العيون؟! ولقد مررت برجل عامي صاحب مطعم جالس هو وامرأته يحدثوني عن هذا ولم أكن قد قرأت الجرائد ولا أعرف القضية، وكان الرجل يبكي وينهمر دمعه هو وامرأته يبكون وهم يتكلمون الرسول عليه الصلاة والسلام هو رأسنا، ونحن جميعاً نواليه ونحبه، يظهرون المحبة له حتى ولو خالفوه، لكنهم يظهرون المحبة ولا أحد يخالفه، ولا أحد يتبرأ منه.