[وجوب التحذير من أهل البدع]
السؤال
هل صحيح أن التكلم في أهل البدع يقسِّي القلب؟
الجواب
لا.
التكلم في أهل البدع واجب؛ لكنه يحتاج إلى ذكاء، فهناك بعض الناس لا يراعون مصلحة الكلام في أهل البدع، وأئمةِ السنة مثل الإمام أحمد والإمام مالك وهؤلاء الثلة، كانوا يوجبون الكلام في أهل البدع، ويحذرون من أهل البدع.
ولكن المسألة أن واقع الإمام أحمد يختلف عن واقعنا.
فـ شعبة بن الحجاج رحمه الله قال لـ يزيد الرقاشي: لو حدثتَ بهذه الأحاديث لأستعدِيَن السلطان عليك.
سأذهب إلى السلطان وأقول له: إن ثَمَّ رجلاً يروي حديثاً موضوعاً، فيسجنك.
فكان بدلاً من الإمام أحمد ألف أحمد، وبدلاً من مالك ألف مالك.
فالبيئة تختلف، فهناك في بعض الأماكن بيئةٌ المبتدعةُ لهم فيها ظهور، ولهم صولة كبيرة، ولو وقف هذا الرجل السني في مقابل هؤلاء وجابههم قطعوا لسانه، وضيعوا حلقته، وأخذوا منه مسجده، فهل هذه حكمة أن يقف في مقابلهم، فيأخذون منه المسجد ويمنعونه من الكلام، ويحظرون عليه؟! هذا ليس من الحكمة، بل الصواب: أن يستمر هذا الرجل ويحاول بلطف وذكاء أن يطيل عمر دعوته، لا سيما إذا كان فرداً واحداً، وكان له تأثير وكان مباركاً.
وأنا أريد أن أقول شيئاً: الداعية الممارِس يختلف عن قارئ الكتب.
قارئ الكتب هذا إنسان في وادٍ آخر؛ لكن الداعية الممارس رجلٌ لَمَس الواقع وعرف كيف ينزل الإسلام على الواقع.
والمسألة كلها مربوطة بالمصلحة والمفسدة، وهذا النبي صلى الله عليه وسلم مع أنه صارت له دولة في المدينة، وكان قادراً على الفعل قال لـ عائشة رضي الله عنها: (لولا أن قومك حديثو عهد بالكفر؛ لهدمت البيت وبنيته على قواعد إبراهيم) لكنه لما خشي أن يقول الناس: إن هدم البيت يخالف تعظيمه، ويقع هذا في روع آحاد الناس تَركه على ما هو عليه، حتى جاء ابن الزبير فاستشار الناس في هدم الكعبة، فأشار عليه ابن عباس ألا يهدمها، قال: دع الناس ودع أحجاراً أسلموا عليها، فقال ابن الزبير: إنهم قَصُرَت بهم النفقة، وأنا أجد النفقة، وإنهم كانوا يخافون أن يفتتن الناس وقد حدث الأمان، فإني مستخير ربي ثلاثاً، واستخار الله عز وجل ثلاثاً وقرر هدم الكعبة.
فبدأ يهدم الكعبة، فقلع ثلاثة أحجار أو أربعة من فوق الكعبة، وإذا بالناس كلهم قد فزعوا وقالوا: ستنزل صاعقة الآن من السماء عليه، وجعلوا ينظرون والرجل يقلع الحجر ويرميه، فوجدوا أنه لم ينزل دمار ولم تنزل صاعقة، فقويت قلوب الناس على ذلك، وتتابعوا جميعاً على هدم الكعبة حتى وصلوا إلى قواعد إبراهيم فإذا هي أحجارٌ مثل سنام البعير.
فمسألة مراعاة المصلحة والمفسدة في التحذير من البدعة مهم، ليس هذا -أيها الإخوة- تهوين من شأن البدعة، بل يجب إنكار البدع؛ ولكن هذا الوجوب يختلف من مكانٍ إلى مكان، ويختلف من رجلٍ إلى رجلٍ ونحو ذلك؛ لكن الكلام في أهل البدع واجب، بل سئل الإمام أحمد رحمه الله عز وجل عن رجلٍ يصلي ورجلٍ ينكر على أهل البدع أيهما أفضل؟ قال: الذي يصلي إنما يصلي لنفسه، والذي يجاهد أهل البدع، فإنما ينفع المسلمين.