للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[من أسباب الانتكاس: الكبر والغطرسة]

هناك رجل اسمه جبلة بن الأيهم، وكان آخر ملوك غسان من النصارى، وكان في الشام، جاء مسلماً في زمان عمر على قول؛ لأنه مختلف في إسلامه، فـ ابن عساكر وسعيد بن عبد العزيز وغيرهما يقولان: لم يسلم قط، وآخرون قالوا: بل أسلم! فبينما كان جبلة يمشي إذ وطئ ثوبه رجل من بني فزارة، فاستدار جبلة ولكمه لكمة هشمت أنفه، فما كان من الرجل إلا أن بادله اللكمة بلكمة، فجاءوا إلى عمر بن الخطاب يحتكمون وهما روايتان: الرواية الأولى: أن جبلة وطئ ثياب رجل من بني فزارة، فاستدار هذا الرجل الفزاري ولكمه لكمة في وجهه، فجاء جبلة بهذا الرجل إلى عمر بن الخطاب وقال له: لقد ضربني هذا، فقال له عمر: (الطمه بدلها، فقال: بل يقتل.

قال: لا.

قال: أو تقطع يده.

قال: لا.

فقال: بئس هذا الدين)، إنه يريد أن يجعل الدين تابعاً لهواه، والله تبارك وتعالى يقول: {إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ} [الأنعام:٥٧]، ولأجل هذه الآية دارت رحا الحرب بين العرب وبين المسلمين: {إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ} [الأنعام:٥٧] فما جاء الدين خاضعاً لهوى أحد، إنما جاء الدين ليَحكم لا ليُحكم، فالذين يلتزمون بهذا الدين ويريدون أن يفصلوه عن حاجاتهم وأهوائهم ومزاجهم لم يسلموا بعد، فلن يسلم الرجل حتى يستسلم، فهذا ضُرب وقد كان ملكاً عندما كان نصرانياً، وعقوبة من يضرب الملك معروفة، فهو يعترض ويقول: لم لا يقتل لأجل هذه الضربة أو تقطع يده؟! أقل القليل أن تقطع يده التي لطمني بها، فلما قال له عمر: لا، قال: بئس هذا الدين، وتنصّر.

والرواية الثانية: أن جبلة وهو يطوف بالبيت داس على ثيابه رجل، فاستدار جبلة ولكمه، فذهب الرجل المظلوم الملكوم إلى عمر وقال: أقدني منه! فقال عمر: الطمه بدلها، فقال جبلة: أنا أضرب! قال عمر: نعم، تضرب.

قال: أوجهي كوجه هذا المازني؟! أي: هل وجوهنا سواء؟! فأنا ضربته وهو ليس له قيمة، أما أنا فقد كنت ملكاً، فخدي ليس كخده حتى تستوي الضربتان، فقال له عمر: دع عنك هذا، إن الإسلام سوى بينك وبينه، ولا فضل لك عليه ولا له عليك إلا بالتقوى، فقال: ما كنت لأفعل هذا أبداً، قال: إن لم تفعل أخذت أنا منك، فلما رأى أن الأمر جدّ وأنه لا هزل فيه، قال: دعني أفكر، فلما كان في نصف الليل هرب والتحق بالروم وارتد.

إذاً: على أي أساس أسلم جبلة إن كان أسلم؟! لقد دخل في الإسلام وهو يلبس ثوب الملوكية وثوب الكبر، وكان لابد عليه أن يطرح هذا الثوب، فإن هذا دين لا نظير له قط، دين سوى بين الناس جميعاً، قال النبي صلى الله عليه وسلم: (المسلمون تتكافأ دماؤهم)، لا فضل لأمير على مأمور، الدماء كلها عند الله واحدة، فلو أن الأمير قتل كنَّاساً في الشارع فإنه يقتل به، فعلى أي أساس أسلم هذا الرجل؟! لقد أسلم على هوى وطمع، وأنه ملك ويريد أن يكون ملكاً، كمثل بعض الناس أصحاب الوجاهات حينما يلتزم بالدين يريد أن يكون وجيهاً أيضاً بين الملتزمين.

مثلاً: بعض الفنانين والفنانات والمغنيين والمغنيات التائبين وأنا لا أقلل من توبتهم أو من رجوعهم، لكن هذا مرض فتاك وداء عضال ينبغي أن نظهره ولا نجامل في إخفائه، قبل توبتهم تعودوا على الشهرة، فإذا دخل أحدهم في مكان تعود على الحفاوة وأن كل الناس يقومون له ويحترمونه ويجلونه، ثم منَّ الله عليه بترك هذا المستنقع ونظف نفسه، وبدأ يدخل في دائرة الملتزمين، فيريد أن يكون مشهوراً أيضاً في دائرة الملتزمين، ويريد أن يقوم له الناس ويحترموه، ويضعوه في مكانه أيضاً.

وهذا من عوامل الانتكاس، فإنه لم يتحقق بحقيقة الإيمان، والمفروض لأجل واقعه الأليم المرير الفائت أن يظل منكس الرأس طيلة عمره؛ ندماً على ذنبه الذي اقترفه، لاسيما أنه ذنب عظيم نسأل الله العافية، فكم من ممثلة تابت وقد كانت أيام التمثيل تمثل أفلام الجنس والدعارة والعشق على أقذر مستوى، ثم تابت، فما هو الحل وهي عارية في كل البيوت، فكل الناس عندهم الفيديو ويتفرجون على الأفلام؟! أرأيت إلى هذا الذنب ما أبشعه!! ربما لو زنى الرجل أو المرأة في حجرة مغلقة ثم تاب لكان أيسر؛ إنما التبعة إذا كان في بلد لا تقيم الحدود أو يستغفر ويفعل من البر ما يستطيع لعل الله أن يسقط الذنب عنه، وإذا كان في بلد تقيم الحدود وعرض نفسه للحد فقد طهر نفسه، لكن امرأة عارية في كل بيت فإن ذنبها عظيم، فكان من المفروض بمقتضى هذا الذنب أن تظل مطأطأة الرأس طيلة عمرها أو طيلة عمره، فكيف يريد أن يكون مشهوراً في الوسط الجديد الملتزم؟!! هذه آثام ينبغي للمرء أن يتخلص منها.