كان مصعب بن عمير رضي الله عنه، من أعطر شباب قريش، وكان يلبس الحرير، وكان ذا وجاهة بين أبويه وفي قومه، فلما أسلم ترك كل ذلك وفر إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وكان من الرعيل الأول الذي دخل دار الأرقم، وهو أول سفير ومعلم وناشر للإسلام خارج حدود مكة، وكفاه شرفاً بذلك كفاك شرفاً أن تكون أول الداعين إلى خلة ماتت:{لا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ}[الحديد:١٠]، لا يستوي الذي أنفق في وقت عز فيه النصير، مع الذي نصر دين الله لما دخل الناس فيه أفواجاً، لا يستوون!! ولما رأى النبي صلى الله عليه وسلم مصعب بن عمير -فيما ذكر- رث الثياب، بكى، وهو يذكر ماضيه، لكنه ترك ذلك محبة لله عز وجل وطمعاً فيما عنده.
روى البخاري عن عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه أنه قدم له طعام وكان صائماً، وذلك بعد أن استشهد مصعب رضي الله عنه في غزوة أحد، فقال عبد الرحمن:(قتل مصعب بن عمير وهو خير مني، وكان عليه بردة إذا غطينا رأسه بدت رجلاه، وإذا غطينا رجله بدا رأسه، وقتل حمزة وهو خير مني فلا زال يذكر السالفين ويبكي حتى ترك الطعام) هذه هي الأسوة، والذي يتأسى هو عبد الرحمن بن عوف أحد السابقين الأولين من المهاجرين، لكنه يذكر إخوانه الذين سبقوه كم سقط على درب الإيمان من نبيل وكريم! ولا تجد على هذا الدرب إلا الرجال الأفذاذ، لا تجد منهم ضئيل القدر صغير الحجم أبداً، هذا الطريق لا تجد عليه إلا كل نبيل.