[النقاب آلام وآمال]
قد يشعر الإنسان -أحياناً- بإحباط شديد لما تتكاثر الأخبار السيئة في يوم واحد، ويظن أن ليس في الدنيا خير، مثل علماء الحديث كانوا أحياناً يجمعون غرائب الراوي ومناكيره في موضع واحد، فربما نظر الناظر ولا يدري بذلك إلى أحاديث هذا الراوي، فضعفه ظناً منه أن ذلك هو الغالب على حديثه.
ومن المشاكل التي تعرض عليّ يومياً مشكلة واجهتها ولم أستطع لها حلاً، وانعقد الكلام على لساني، أخت اتصلت بي وتريد حلاً لمشكلتها، تقول: إنها انتقبت هي وأختها الصغرى، فما كان من الوالد إلا أن طرد الأم إلى بيت أبيها، وجعل رجوعها مرهوناً بخلع البنات للنقاب؛ فقالت الأم لأبنائها تحملوا قليلاً، فالمسألة كلها مناورات، ومع الأيام ستعود المياه إلى مجاريها، وفي فترة غياب الأم حدث للبنات أشياء شنيعة جداً.
أولاً: أمرهن أبوهن بخلع النقاب.
ثانياً: كان يأمرهن إذا جاء ضيف أن يظهرن شعورهن ويدخلن عليه.
وقالت: لا أستطع أن أصف لك حجم الضرب الذي تحملناه، فما نزعنا النقاب إلا بعد ضرب شديد.
وليس هذا فقط بل يأمرهن أن يجلسن بجانب الضيف، وإذا لم يمتثلن ينهال عليهن ضرباً ولو كان الضيف موجوداً تصور أن هناك آباء بهذا الحمق والحقد على الدين؟! وكنت لا أملك لها إلا أن ألقي على مسامعها نماذج من تضحيات الفاضلات من الصحابيات ومن الأمهات والمؤمنات، ومع ذلك كنت أحس أن الكلام يتعثر على لساني، فالمسألة أكبر من الكلام.
إن الأمة مهزومة بأمثال هؤلاء، نحن عندنا من هذا الصنف الكثير، وأنا لا أبالغ، لكن الشاهد يرى ما لا يرى الغائب.
مثلاً: لو ذهبت إلى صديق، وقلت له: هل الوباء الفلاني منتشر؟ يقول: نعم، منتشر كما ترى.
لا.
اسأل أهل التخصص هم الذين يخبرونك هل المرض منتشر أم لا.
لعلكم لا تشعرون بهذه المحن، فالناس كل يوم يعيشون محناً ويريدون لها حلاً، ونحن لا نملك لهم أكثر من النصيحة، كل مشكلة لابد أن تترك على القلب ظلاً، وكثير من الملتزمين الذين مكن الله لهم قد دب اليأس إليهم من كثرة الفساد.
والذي يجعلنا نستبشر هو رجوع النقاب، النقاب وقد صار علامة للالتزام، كذلك اللحيةلم يعد عليها ذلك الضغط القديم، وأصبح أصحاب اللحى يدخلون الجامعات والمؤسسات المرموقة والمواقع الحساسة، بل عشنا حتى رأينا اللحية في أمان، لقد كان الذي يريد أن يشتري شيئاً ليأكله يحلق لحيته، ويلبس البنطال، ويلبس (الحلق) ويلبس سلسلة! كنوع من التمويه، وأصبحنا نعرف حجم الدعوة في أي بلد بالنقاب فإذا دخلت أي بلد فاسأل عن النقاب، فإذا كان منتشراً جداً فاعلم أن الدعوة منتشرة، وإذا كان النقاب في أهل بيت، فاعلم أن في البيت أكثر من ملتزم، أبوها أو أخوها يأمرها، لكن قد يعفي الرجل لحيته والبيت كله لا يصلي، فرجوع هذا النقاب بهذه الكثرة الكاثرة، إنما الفضل فيه لله عز وجل.
وأما جهد الدعاة فهو قليل ولا يساوي كل هذا الخير الموجود، وما من يوم ينشق فجره إلا ونجد عدداً من الفتيات يلبسن النقاب.
ونحن نقول للآباء الذين يرفضون أن تلبس بناتهم النقاب: إن الانحراف ثمنه غال جداً، والآن الخمار لم يعد علامة الحجاب، فقد تبلغ الفتاة سن الخامسة عشرة فتعلن الحجاب، لكن بعدما وضع النقاب ترى الخمار أدنى، وقد يخطب المرأة المختمرة الذي لا يصلي والذي يدخن، لكن المرأة المنتقبة لا يدخل عليها إلا شخص واحد فقط، يريدها من أهل الدين.
إذاً: النقاب باب، والمرأة عندما تنتقب تتزوج بسرعة، ليس مثلما يفهم الناس، في عقلية الستينات كانت المرأة لازم أن يكون لديها دبلوم عالٍ أو (بكالريوس أو ليسانس)، لكن الدنيا تغيرت، والمفروض أن المعايير تتغير أيضاً.
فلم يعد النقاب وسيلة من وسائل عرقلة مسيرة المرأة نحو الزواج.
إذاً: النقاب سياج أمان، والمرأة المنتقبة تبقى ضامنة أن الذي يتقدم لها إنسان متدين، يريد هذا السمت، يريد امرأة منتقبة، وبالتالي صار النقاب عنوان لمجموعة من الفضائل، وليس مجرد قماش تستر المرأة به وجهها، لكنه عنوان امرأة ملتزمة، تصوم وتصلي، وتقوم على تربية أولادها.
إذاً: النقاب سياج أمان للاختيار، فإذا خيرت بين امرأة ملتزمة بأمر الله ورسوله وبين امرأة تحمل الشهادة، فإياك أن تنحاز إلى صاحبة الشهادة، فإن أكثر النساء نعاسة ذوات الشهادات الجامعية، و (٩٠%) من المشاكل التي أراها يومياً هي في بيوت النساء العاملات.