[مصطلح (التسامح الديني) والهدف من نشره بين المسلمين]
إن التسامح إلى ما لا نهاية هو الضعف بعينه.
رجل يتلقف الضرب يمنة ويسرة ثم يقول: سامحه الله! إلى متى يضرب فيسامح؟ يجب أن يكون هناك حد يعرف به الضارب المعتدي أن هذا التسامح لم يكن عن خور أو ضعف.
إن الشاعر عمرو بن أبي عزة لما شبب بالمسلمين وبنساء المسلمين وهجا النبي صلى الله عليه وآله وسلم في شعره، قال النبي عليه الصلاة والسلام: (من لي بـ عمرو بن أبي عزة؛ فإنه قد آذى الله ورسوله؟) فأخذوه وأتوا به، فاعتذر للنبي صلى الله عليه وسلم وشكى له أنه مشفق وحاجة عياله إليه، وقال له: كن خير آخذ! فسامحه على ألا يعود، فاستنفر المشركون الشاعر مرة أخرى، فهجا النبي صلى الله عليه وآله وسلم وشبب بنساء المسلمين وذكر عوراتهن، فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: (من لي بـ عمرو بن أبي عزة؛ فإنه قد آذى الله ورسوله؟) فجاءوا به، فاعتذر وقال: تبت وأنبت ورجعت، وهذه آخر مرة، فتركه.
فلما مني المشركون بمقتل رؤسائهم في غزوة بدر، وصار أبو سفيان يعبئ المشركين واليهود لقتال النبي صلى الله عليه وسلم في غزوة أحد؛ استعانوا بلسان الشاعر عمرو بن أبي عزة؛ لأنه كان سليط اللسان، وقالوا: اهجه ونحن نحميك، فهجاه هذه المرة هجاءً لاذعاً، فقال عليه الصلاة والسلام: (من لي بـ عمرو بن أبي عزة؛ فإنه قد آذى الله ورسوله؟) فجاءوا به، فجعل يشكو: آخر مرة، ويطلب السماح والعفو، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (لا، والله لا أدعك تمشي في طرقات مكة فتقول: ضحكت على محمد مرتين، لا يلدغ المؤمن من جحر مرتين) فصارت مثلاً، وأمر به، فقتل.
التسامح له نهاية، ليس هناك تسامح إلى ما لا نهاية، وليس هناك جهل وهجوم وجسارة إلى ما لا نهاية، كل شيء له حد: {نَبِّئْ عِبَادِي أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ * وَأَنَّ عَذَابِي هُوَ الْعَذَابُ الأَلِيمُ} [الحجر:٤٩ - ٥٠].
لماذا تقول دائماً: إن الله غفور رحيم، وتركن إلى هذه المغفرة وهذه الرحمة ولا تذكر عذابه؟! إنك لو ذكرت عذابه ما انتهكت حرماته، ولكن غرك حلمه، وأنه لا يأخذ العاصي بعصيانه في الحال، فتقول دائماً: إن الله غفور رحيم، رحمته واسعة ولو ذكرت عذابه لوقفت عند حدوده.
إن التسامح له نهاية، لماذا التسامح الديني في حق المسلمين فقط؟ فإن أظهر أحد المسلمين تعصباً لدينه يدينونه ويمقتونه ويقولون: الإسلام دين التسامح! الإسلام دين الرحمة! أين عصا الإسلام التي أدب بها شرار البشر، أين ذهبت أيها المسلمون؟ إن التسامح الديني بدعة ابتدعها المشركون ليقتلوا الحمية في قلوبكم لدينكم، يتمعر وجهك في المرة الأولى، وفي المرة الثانية يتمعر أقل، ثم أقل فأقل، حتى يموت ذلك الوقود الذي في قلبك، وحتى تموت النفس اللوامة التي يتميز المسلم بها عن سائر الناس في الأرض.
ألا ترى أن هذا حالك، خذ مثلاً: جهاز التلفزيون وأنت ترى امرأة عارية ترقص، فإن كنت حديث عهد بالنظر؛ وضعت عينيك في الأرض، أو تشاغلت بأي شيء حتى ينتهي ذلك المشهد، ثم لا تلبث أن تعود، وفي المرة الثانية راقب حالك وسترى أنك أقل ازوراراً لهذا المنكر، نظرت إليها دقيقة ثم ازوررت بعينيك حتى انتهى المشهد، فإذا تكرر المشهد مرة ثالثة تموت النفس اللوامة، ولو ماتت النفس اللوامة من المسلم؛ ارتكب كل فجور على وجه الأرض، إثباتاً لقول النبي صلى الله عليه وآله وسلم: (إن مما أدرك الناس من كلام النبوة الأولى إذا لم تستح فاصنع ما شئت) أي: إذا ماتت نفسك اللوامة التي تحجبك عن المعاصي والخبائث فاصنع ما شئت.
إن بدعة التسامح الديني التي ابتدعها المشركون ووردوها لنا على ألسنة عملائهم من العلمانيين الذين ينددون بأي شيء، ووصل التنديد بالذين يقولون: (إن صلاة الجماعة في المساجد واجبة، بمعنى أن الذي يصلي في بيته وهو قادر على أن يصلي في الجماعة بغير عذر له أنه آثم يقولون: إن هذا تجني، إن ديننا فيه سعة والنبي صلى الله عليه وسلم قال: (صلاة الرجل في الجماعة تعدل صلاة الفذ بسبع وعشرين).
قوله: (صلاة الفذ) أي: صلاة الفرد.
تعدل درجة من سبع وعشرين درجة، مما يدل على صحة الصلاة، نحن لا نناقش أن صلاته باطلة، إنما نناقش هل هو آثم أم لا، لقد كان ابن مسعود كما روى مسلم في صحيحه يقول: (من سره أن يلقى الله غداً مسلماً، فليحافظ على هذه الصلوات حيث ينادى بهن، ولقد رأيتنا ما يتخلف عنها إلا منافق معلوم النفاق، ولقد رأيت الرجل يهادى بين الرجلين حتى يقام في الصف) فالرجل الغير قادر على أن يقف على قدميه في الصف، يحمله اثنان لكي يستوي في الصف.
فيقولون: يجب أن يكون هناك تسامح ديني، نقول: نعم تسامح ديني في المسائل الفرعية، لكن أن تعتدي على عقيدتي وتريد أن أتسامح هيهات هيهات!! ذلك خدش وشرخ في إيمان المسلم، وقد يظهر في إيمانه كله.
ولعلكم تذكرون، وأقول: لعلكم؛ لأن المسلمين أصيبوا بداء النسيان، ألا تذكرون يوم ضربنا في (٦٧) وهزمنا شر هزيمة، قال أحد جنرالات إسرائيل: (الآن أخذنا بثأر إخواننا في خيبر)، أين خيبر وأين أنت أيها الجنرال؟ خيبر على أيام النبي صلى الله عليه وسلم، وهو الآن في القرن العشرين لا ينسى ما فعله النبي صلى الله عليه وسلم بيهود خيبر، لا ينسون، ليت أن لنا ذاكرة كذاكرة اليهود فلا ننسى.
داؤنا النسيان، سرعان ما ننسى الإساءة حتى وإن كانت في عقر دارنا، أقول: لعلكم تذكرون مصرع الرئيس السابق لما أهلكه الله عز وجل وجاء الكفرة يشيعونه -وقبض على المسلمين وهذا أمر طبيعي- وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (من أحب قوماً حشر معهم) فجاء الرؤساء الكفرة الذين لا يغنون عنه من الله شيئاً، وصلاة الجنازة المقصود منها دعاء المسلمين للميت، فهؤلاء شفعاء للميت، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: (من صلى عليه أمة من الناس غفر له) وفي الحديث الآخر: (من صلى عليه أمة من الناس فيهم أربعون صالحاً غفر له) هذه نفعية صلاة الجنازة: الدعاء للميت، آخر ما يأخذه منكم في دنياه أن تدعوا له بالرحمة؛ لأنكم ستنسونه بعد ذلك.
لذلك من الظلم البين والعدوان على الميت أن يقف المشيعون في خارج المسجد ولا يصلى عليه إلا أربعة أو خمسة، لماذا يا قوم؟ إن الميت لا يستفيد من خطواتكم وراءه شيئاً، خطواتكم لا تشكل له شيئاً، إنما الذي يشكل له دعاؤكم له، فما بالكم ظلمتموه، آخر شيء يأخذه منكم ضننتم به عليه، المقصود من صلاة الجنازة دفعة من الرحمات يأخذها الميت قبل أن يلقى ربه.
فلما جاء الناس يشيعون الرئيس السابق وكان منهم صديقه رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق، فالذي ذهب إلى القاهرة ونظر إلى المسافة بين المنصة التي دفن أمامها وبين الفندق الذي نزل فيه رئيس الوزراء الإسرائيلي يجد أن المسافة نحو أربعة كيلو مترات أو أكثر، فهذا في أول شارع الطيران من هناك، والمنصة في شارع النصر، أربعة كيلو مترات أو خمسة.
وصادف أن يوم الدفن كان يوم سبت، والتوراة تحرم على اليهود في يوم السبت أن يركبوا الدواب أياً كانت؛ فماذا فعل رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق؟ أصر على أن يمشي من الفندق إلى المنصة، وهذا يكلف تكاليف أمنية رهيبة، فوزير العدو الإسرائيلي يمشي على قدميه في شوارع القاهرة، إذاً لابد له من حراسة في الأرض وفي السماء، أربعة كيلو مترات يمشيها ويصر عليها، لأن التوراة تحرم عليه أن يركب في يوم السبت شيئاً.
فأين المغفلون، هل وصفوا هذا الرجل بالتعصب؟ ما سمعنا أن هذا الرجل متعصب متزمت أو أنه زجر، أو أنه عيب عليه، بل قد كلف أجهزة الأمن تكلفة باهضة؛ لأنه مشى على قدميه أربعة كيلو مترات، وانظروا إلى حمايته، وما تكبدته الشرطة المصرية من حشود وجنود، وكانت البلد هرج مرج، لا يأمن أحد عاقبة شيء، فانطلق يثبت التوراة، في حين أن المسلمين يرمون القرآن وبعضهم يدوس عليه.
لكن وجدنا من المسلمين من إن لم يفعل هذا الفعل فعله معه من جهة أنه لا يعيره اهتماماً ولا يقيم لأحكامه وزناً، فيذهب الرجل من هؤلاء ويلبس الكوفية السوداء؛ حزناً على من مسخهم الله قردة وخنازير في يوم السبت؛ ولأن هذا من المراسم، ولا يرى أن هذا عاراً ولا شناراً ولا رجعية ولا تخلفاً، ولا يرى أن هذا تدنساً، ويرى أنه معتز بدينه، ويرفع أنفه شامخاً في وسط أشباه المسلمين الذين يتبرءون من دينهم.
العصبية هنا جزء لا يتجزء من الإيمان، والذي يتسامح في هذه العصبية نقول له: جدد إيمانك، وانظر إلى نفسك، إنما نفرق بين العصبية للدين وبين العصبية في فروع الدين، في فروع الدين: لا نتعصب ونطلب الحق على حسب الأصول المتفق عليها عند علماء المسلمين، أما العصبية للدين التي هي الحب له والانتقام له وأن يتمعر وجهك -على الأقل- له، فهذا جزء من الإيمان لا يتجزأ.
أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم لي ولكم.