للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[وقفات مع قصة يوشع بن نون ومقارنتها بالواقع]

فالرسول عليه الصلاة والسلام لما ذكر قصة يوشع بن نون، قال: (غزا نبي من الأنبياء -صلوات الله وسلامه عليهم- فقال: لا يتبعني أحد ثلاثة نفر: لا يتبعني رجل بنى بامرأة ولما يدخل بها، ولا يتبعني رجل بنى بيوتاً ولم يرفع سقوفها، ولا يتبعني رجل له خلفات ينتظر نتاجها)، أي إنسان من هؤلاء أنا في غنى عنه: رجل تزوج ولم يبن -أي: لم يدخل بالمرأة- فهذا يجلس بجانبها لماذا؟ لأن الرجل يتمنى أن يتزوج، و (يعيش في ثبات ونبات ويخلف صبيان وبنات)، فهذا أول ما يرى بارقة السيف تلمع يفر كالجبان هذا لا ينفع.

(ورجل بنى بيوتاً ولم يرفع سقوفها)، رفع الجدران وما زال السقف والدور الثالث والرابع والخامس، هذا الرجل يتمنى أن يرجع ليتمم ما بنى، فهذا يقعد.

(ورجل له خلفات ينتظر نتاجها) له غنم، وهو ينتظر الغنم تلد، فبدل أن يكون لديه رأس غنم واحد يكون عنده رأسان وثلاثة وأربعة ويمني نفسه بالغنى.

وهذا يذكرني بالرجل الفقير الذي كان له (قلة) سمن، وهذا الفقير كان في كل سبت يذهب ليبيع قلة السمن هذه ويشتري بطتين، ثم يبيعها ويشتري وزتين، فيوم من الأيام رأى بطاً ووزاً، فقال: هذا البط سأبيعه وآتي بشياه، ثم أبيع الشياة وأتي بخرفان، ثم أبيع الخرفان وآتي ببقر وجواميس، وبذلك سأصير غنياً جداً، وأبني قصراً منيفاً، وأتزوج أجمل امرأة في البلد، وأخلف من هذه المرأة ولداً جميلاً أربيه وأؤدبه وهذا الرجل كان يمشي على عكاز، انظر إلى هذه الأحلام كلها! وهو يمشي على عكاز ويحمل القلة، وهو ذاهب إلى السوق ليبيعها ويرجع، وهو مستغرق في أحلامه: وهذا الولد لابد أن أحسن تربيته -وهو في ذلك الوقت كان قاعداً والعكاز بجانب السرير- وأنا لا أحب الحال المشين ولا الكلام الفارغ، لابد أن أجعله ولداً جيداً، فإذا قال لي: لا؛ سأضربه هكذا فضرب على القلة فكسرها وانتهت أحلامه! فهذا رجل له خلفات ينتظر نتاجها ويقول: إن شاء الله تلد وسوف نبني ونترك ونفعل فالقلب هو الذي يعطي قوة الجارحة، فإذا أدبر القلب سحب تأييده للجارحة، وإذا أقبل أعطاها القوة، فلما يكون الإنسان يتمنى أن يرجع فهل يريد أن يموت؟!! ولذلك أحسن هذا النبي الكريم صلى الله عليه وسلم غاية الإحسان حينما استثنى هؤلاء، فخرج بالجيش وكان ذاهباً إلى حرب العماليق، وليس الجبناء هؤلاء.

بالمناسبة! الجيش الأمريكي جيش ضعيف، ولم ينتصر في معركة دخلها قط، واسألوا فيتنام، فالجيش الأمريكي ليس لديه أي انتصار مشرف يستطيع أن يقول: أنا انتصرت، وكما هو معلوم فإن اللص (الفتوة) إنما يرعب الآخرين بقوته وفتوته، والأمريكان يعيشون هكذا (فتوات) فقط.

وفي حرب الخليج لو أن العرب تنحوا عنها أكان بإمكان أمريكا أن تدخل وتنتصر؟ أبداً والله، ولذلك أدخلوا العرب في الحرب البرية، وهم شاركوا في الطيران فقط، ولكن الحرب البرية التي هي حرب المواجهة الحقيقية، فالذي يريد أن يقول: أنا غلبت، وأنا قوي، وأنا شجاع يدخل الحرب البرية، فالحرب البرية قدموا فيها العرب، حتى يكونوا -أي: العرب- هم الذين يطهرون الأرض أماهم في الألغام.

فيوشع بن نون عليه السلام أخذ جنوده، وكان ذاهباً لمحاربة العماليق، ويذكرون في الإسرائيليات أن العماليق هؤلاء الواحد منهم كان طويلاً جداً، وكانت خلقتهم عظيمة.

يقولون: من ضمن الحكايات أن واحداً من جيش يوشع بن نون ذهب إلى بستان حتى يتجسس على العماليق ويأتي بأخبارهم، مع العلم أن هذا الجندي ربما كان طوله كطولي مرتين -فالخلق ما زال يتناقص إلى يوم القيامة- فجاء أحد العماليق ودخل البستان فوجده مختبئاً في جذع شجرة، فأخذه ووضعه في كمه -الرواية تقول هكذا- وذهب به للأمير وقال له: وجدت هذا.

فتخيل جماعة هذه صفتهم وذاهبون لمحاربة عماليق! أنا أقول هذا الكلام لتعرف أن الجبان لا ينتفع بالقنبلة في يده، الجبان يسلم لك مباشرة لو أنك أجرأ منه قلباً، فالرءوس الذرية التي يتحدثون عنها والتي يمكن لها أن تحرق الشرق الأوسط كله من أوله إلى آخره لا تهب قوتها ولا تخف منها؛ لأن الله عز وجل ناصرك، {فَعَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ أَوْ أَمْرٍ مِنْ عِنْدِهِ} [المائدة:٥٢].

ومثلاً: دولة مبتدعة مثل إيران، والذي حصل في صحراء إيران أيام الرهائن الأمريكان معلوم عند الكثيرين، والرئيس الأمريكي غُلب بسبب هذه المسألة، فقام الأمريكان في صحرائهم فبنوا سفارة مثل سفارة أمريكا في إيران تماماً بنفس المداخل والمخارج، ووضعوا رهائن داخلها وأحضروا قوات (كوماندوز) ليخلصوا الرهائن ولعبوا هذه اللعبة! فهم مخترعو (السينما) في العالم، وتنظر فتجد عمارة مكونة من ستين دوراً وإذا بأحدهم يقفز منها كيف نزل سليماً؟ فهم أصحاب (هوليود).

فيقول لك: نحن لابد أن نبين قوة أمريكا فأعدوا هذه التمثيلية لمدة ثلاثة إلى أربعة شهور، يأتي الطيران فينزل جنود (الكوماندوز)، ولكنهم نسوا شيئاً مهماً، نسوا أن الرجل مهما كان يمثل لا يمكن أن يتقمص شخصية الخصم.

المهم تدربوا على هذه المسألة مرة ومرتين وأربع مرات وعشر مرات حتى تيقنوا مائة بالمائة أنهم سينتصرون؛ لأن (الرادارات) الموجودة في إيران كلها صنع أمريكي، وهم يعلمون كيف يشوشون على هذه (الرادارات)، ويعرفون أقصى مدى لها، وأنا قرأت في مذكرات بعض القادة العسكريين التي نشرت في السنوات الأخيرة أن أي دولة تصنع السلاح لا يمكن أن تعطي كل أسرار السلاح للدولة المستوردة، فتترك بعض أشياء معينة وكفاءات خاصة لا تستخدمها إلا الدولة المصنعة نفسها، فأنا لدي رادار مثلاً، وهذا الرادار أقول لهم: أقصى مدى له إذا الطائرة أتت على ارتفاع -مثلاً- سبعين متراً، وممكن (الرادار) هذا يكشف الطائرة وهي على بعد أكثر من ذلك، ولكن أنا معطل لهم هذه الخاصية، فلا يستطيعون أن يستخدموها.

فطارت الطائرات الأمريكية على ارتفاع منخفض جداً وأفلتت من رقابة (الرادارات)، وربضت في صحراء إيران، وإيران ليس عندها علم بأن هناك طائرات أجنبية على أرضها، واستعدوا للدخول إلى السفارة وتخليص الرهائن حتى يعرِّفوا العالم أن أمريكا لا تغلب، وبينما هم يطيرون اصطدموا ببعضهم، هذا لو أنه مازال يتعلم ما فعل الخطأ البسيط هذا، فاصطدموا مع بعضهم أحياناً وأنت تمشي على الطريق السريع ترى حوادث سيارات لا يعملها طفل صغير، والذي فعلها إنسان يسوق السيارة منذ سنين طويلة.

والحادثة أنت إذا وصفتها فستقول: طفل صغير لا يعملها، وتنكشف المسألة بحدوث حريق في الصحراء، ما هذا الحريق؟ قالوا: الطائرات اصطدمت ببعضها، والرجل ظهر واعترف.

لماذا هؤلاء لم يضعوا الله عز وجل في حسبانهم؟ نسوا الله فنسيهم، وهؤلاء مبتدعة، فما بالك إذا كنا نحن على عبودية لله كاملة، {إِنْ تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ} [محمد:٧].

فخرج يوشع بن نون عليه السلام هو والجيش صباح يوم الجمعة -كما في مستدرك الحاكم- وظلوا يقاتلون العماليق قتالاً عنيفاً إلى أن غربت الشمس ولم يفتح لهم، حينئذ قال يوشع عليه السلام للشمس: (إنك مأمورة وأنا مأمور اللهم ردها علينا) فرجعت الشمس كما كانت، فظل يقاتل حتى فتح له، وغلب وانتصر لماذا؟ لأن معه رجالاً، والأزمة الموجودة في أمتنا الآن: أزمة رجال، وليست أزمة موارد ولا أزمة سلاح ولا أزمة خطط، وإنما أزمة رجال فقط.

فلما جمعوا الغنائم كانت العادة أن النار تنزل من السماء فتحرق الغنائم، فهذا يدل على أن الله تقبل غزوهم، فلما نزلت النار لتأكل الغنائم لم تطعمها وارتفعت مرة ثانية، فمباشرة يوشع عليه السلام قال: (فيكم غلول)، هناك لص في الجيش سرق شيئاً وغل مالاً، فمن يعترف؟ لم يعترف أحد إذاً: (فليبايعني من كل قبيلة رجل أو رجلان)، وكان من علامة (الغال) آنذاك أن تلتصق يده بيد النبي، فالتصقت يد رجل أو رجلين بيده فقال: فيكم الغلول؛ فأخرجوا من رحالهم مثل رأس البقرة من ذهب، فلما أرجعوه نزلت النار من السماء فأحرقت الغنائم.