[ضياع عقيدة الولاء والبراء في واقعنا المعاصر]
عقيدة الولاء والبراء لأنها متصلة بالله مباشرة؛ حرص أعداؤنا على تمييعها وتضييعها، فظهرت مصطلحات الأخوة الإنسانية، حتى من بعض الذين ينسبون إلى الدعوة يقولون: إخواننا من النصارى، إخواننا الأقباط، هذا قدح في الإيمان، وقدح في عقيدة الولاء والبراء، لقد كفرهم الله عز وجل وهذا يقول: أخونا في الوطن، إخواننا النصارى أو إخواننا الأقباط!! هذا حرام لا يجوز، لأن الله كفرهم، فلا يحل لمن كفره الله وأهانه أن تكرمه.
وإذا أردت أن تعرف عقيدة الولاء والبراء أنها ضاعت فاسمع التجار الذين يتعاملون مع المستوردين، وانظر إلى إكرام التجار لهؤلاء الكافرين، وكيف أنه لا يجلس على الكرسي إلا إذا أجلسه، ويتودد إليه، وأن هذا الكافر قد يعقد صفقة محرمة، وقد يفعل شيئاً أو قد يقول شيئاً محرماً، ثم يبتسم هذا المسلم، ولا يغضب لله عز وجل! انظر أيضاً إلى الدرجات العلمية في الجامعات لما يأتي مستشرق، انظر إلى تكريمه في الجامعات! فضيلة المستشرق الفلاني، وقد جاء وهو عبقري وعلامة وفهامة إلى آخر هذه الألفاظ.
جون بولكلتر الوجودي أول ما جاء هنا هو وعشيقته دخلوا الجامع الأزهر وأنا رأيته بعيني، وأنا في الأزهر ذات مرة كان هناك رجل فراش أعطوه خُمر، فأي واحدة متبرجة أجنبية تريد أن تتفرج وتدنس المسجد بقدميها -انظر الورع الكاذب والبارد! - يقول لها: البسي هذا الخمار طيب هي لابسة (شورت!) لبِّسها جلباب! امرأة لابسة خمار وشورت في الجامع الأزهر! فأنا داخل المسجد فوجدت هناك مجادلة بين المرأة والفراش، وهو يحاول أن يعطيها الخمار وهي ترفض، هل تعلم ماذا كانت النتيجة؟ أخرجت جنيهاً من جيبها وأعطته في يده، فلم يلزمها بوضع وهذا يحصل في بيوت الله! لماذا يدخل الكفار المسجد الأزهر؟ ما هي المصلحة؟ هل المسجد الأزهر أثر؟ أهو هرم؟ أهو أبو الهول؟ هذا بيت الله عز وجل، وبيت الله عز وجل لا يدخله كافر إلا إذا دخله ليسأل عن شيء، وفيه أحكام كثيرة، كما كان الكفار يدخلون على النبي صلى الله عليه وسلم، يدخل لأجل أن يسأل؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان له الغلبة، وكان له القهر والسلطان، فأي مشرك يدخل المسجد يدخل لعلة أو لمصلحة، لكن يدخل ليتفرج والمرأة متبرجة ويدخلون في مساجدنا؟! الآن أنا أقرأ في الجرائد منذ سنة (١٩٧٤م) مقالات لمستشار يقول فيها: إن اليهود والنصارى والمجوس والمسلمين في الجنة، مستشار يكتب من سنة (٧٤م) حتى الآن، وكتبها هذه السنة أيضاً أن المسلمين واليهود والنصارى والمجوس والصابئين في الجنة كلهم.
ويسمح لمثل هذا أن يكتب، وينشر، ولو كان مضاداً لعقيدتنا التي تمتهن بحجة حرية التعبير وحرية الرأي.
المشاركة في أعياد الكافرين، وتسهيل المسألة، ولا تكن متزمتاً ولا تكن متعصباً، كل هذا ضرب لعقيدة الولاء والبراء في مقتل، وصار الذين يملئون ويعمرون أعياد الكافرين هم المسلمون، من الذي يملأ أعياد الكافرين يوم (شم النسيم) غير المسلمين، وبكل أسف أرى أصحاب لحى، وأرى صاحبات نقاب يتنزهون، وخرجوا يشمون الهواء، أقول في نفسي: هل غيب هؤلاء؟ هل نسي هؤلاء أنهم مصنفون كإرهابيين على كل الموائد الدولية؟ هل نسي هؤلاء هذا الأمر؟ هل نسي هؤلاء أن كل حرب تعقد في بلاد من بلاد العالم إنما هي عليهم؟! يخرجون يعمرون مشاهد الكافرين! ليلة رأس السنة من الذي يزني، ومن الذي يعاشر النساء ويشرب الخمر غير المسلمين؟! ويدفعون ألوف (الجنيهات) في الفنادق، والذي له واسطة يجد تذكرة دخول، من الذي يفعل ذلك غير المسلمين في ديار المسلمين؟! وهذا على مرأى ومسمع، ثم بعد كل ذلك يطلبون النصر من الله عز وجل.
إن بقاء هذه الأمة على وجه الأرض مع كل هذا الخبث معجزة، إننا نستدل على أننا سننتصر على عدونا ببقائنا، بقاؤنا مع كل المخالفات معجزة وآية من آيات الله عز وجل، نستدل بها أننا سننتصر، كل هذا ولم يخسف بنا.
إن الله تبارك وتعالى نهانا أن نسكن في مساكن الذين ظلموا، مع أن الأرض لله، والأرض لا تقدس أهلها، ولا تصبغ إلا بصبغة الساكنين عليها.
مكة -التي هي أحب البلاد إلى الله- كانت في يوم من الأيام دار كفر، وهي أحب البلاد إلى الله، إنما الدار بساكنيها.
الآن الدار دار إسلام غداً تصير دار كفر، فالأرض لا علاقة لها بالكفر والإيمان، ومع ذلك نهانا أن نسكن في مساكن الذين ظلموا مع أن الأرض لله لماذا؟ هذا داخل في عقيدة الولاء والبراء، فكثرة مشاهدة آثار الذين ظلموا تؤثر على القلب، ويزعمون أنهم أتوا ليروا أبا الهول والأهرام! فكثرة مشاهدة آثار الظالمين يؤثر على عمل القلب، ولذلك النبي صلى الله عليه وسلم لما مر على الحجر من ديار ثمود، أين ثمود من الرسول عليه الصلاة والسلام؟ تفصله عنهم سنين طويلة، ومع ذلك أول ما مر على الحجر من ديار ثمود تقنع، واستحث الراحلة أن تسرع، وقال: (إذا مررتم بديار الذين ظلموا فأسرعوا؛ خشية أن يصيبكم ما أصابهم)، وهؤلاء موتى لا يؤثرون، فكيف بالأحياء؟ إذاً يقول لك: إذا مررت على قبر ميت أسرع، وبعد ذلك تتعامل مع الكافر فهل هذا كلام معقول! وقد أمرك بالإسراع بجانب قبر الميت منهم، فيحرم عليك أن تجامع المشرك، قال صلى الله عليه وسلم: (من جامع المشركين فهو منهم)، ألا يكفي هذا رادعاً؟ فيجب علينا أن نخرج العادات والتقاليد البالية التي أخذناها من بلاد الكفر كالتقاليد البالية في الأفراح.
بالأمس كان هناك فرح سبحان الله! هؤلاء الناس ليس عندهم حياء، المرأة متبرجة والديوث يتأبطها، والذي لا يشتري يتفرج، في الشارع! حتى قال مؤذن الفجر: الله أكبر فسكتوا وذهبوا ليناموا.
أليس هؤلاء أولى بالعقوبة؟! أليس هؤلاء أولى بالعقوبة شرعاً وعرفاً؟! بعض الناس كانوا يشتكون من المحاضرات المعلنة في المساجد، وذات مرة نزل أحدهم ممن لم يصل الفجر في المسجد، ونسي القائمون على المسجد أن يطفئوا (الميكرفونات) الخارجية، وكنت أقول تذكرة عشر دقائق، فتطوع هذا ونزل من بيته ودخل على المسجد كأنه كتلة نار، وقال: هناك أناس نائمون، وهناك طلبة يذاكرون واستدار.
وأنا أكمل الجملة، قلت: أكملها في دقيقة، فهو قال هاتين الكلمتين واستدار ذاهباً إلى باب المسجد، وبينما أنا أكمل الجملة استدار وشتم وخرج فهل يستطيع هذا إذا كان الفرح تحت بيته أن يتكلم؟ لا يستطيع، ولا ينصره لا عرف ولا سلطان.
فهذه أمثلة! وفي سنة ثمانية وسبعين حين كان أحدهم وزيراً للأوقاف، ساكنو حي المهندسين اشتكوا من الأذان في (الميكرفونات) وقالوا: إن الأذان يزعجنا، وصدر قرار بإغلاق الميكرفونات العلنية في حي المهندسين، وقامت وقتها ضجة وثورة، وتكلم الدعاة عليها كلاماً طويلاً، وقالوا: الأذان لا يزعج أحداً، بل المريض وهو يتقلب في مرضه إذا سمع (الله أكبر) قال: رب أنت أكبر من المرض، فعافني، إذا سمع الله أكبر استبشر؛ لأنه لا ناصر له إلا الله في هذه الحالة، فهل تقوم تحرمه أن يسمع الأذان، وتقول الأذان يزعج! لا يزعج إلا البطالين الكسالى الذين شربوا الخمر إلى الأذان ثم يريدون أن يناموا.
إذاً عقيدة الولاء والبراء هي والإيمان بالله لا ينفصمان، إذا وجد أحدهما وجد الآخر، وإذا رحل أحدهما رحل الآخر.
وأيضاً -لخطورة عقيدة الولاء والبراء؛ ولأنها أخطر وأطول في الكلام من علامات المحبة- سنذكر أيضاً ضوابطها وعلاماتها، وأن بعض الصور تخرج من مسألة الولاء والبراء مثل المبايعة مع الكافر: أن تتعامل مع الكافر في البيع والشراء هذه الأفعال غير داخلة في عقيدة الولاء والبراء إلا إذا انضاف إليها أشياء، وسنذكر كل شيء بضوابطه.
نسأل الله عز وجل أن يرد المسلمين إلى دينه رداً جميلاً.
اللهم اغفر لنا ذنوبنا، وإسرافنا في أمرنا، وثبت أقدامنا، وانصرنا على القوم الكافرين.
اللهم اجعل الحياة زيادة لنا في كل خير، واجعل الموت راحة لنا من كل شر.
اللهم قنا الفتن ما ظهر منها وما بطن.
اللهم لا تجعل الدنيا أكبر همنا، ولا مبلغ علمنا، ولا تجعل مصيبتنا في ديننا، ولاتسلط علينا بذنوبنا من لا يخافك ولا يرحمنا.
رب آت نفوسنا تقواها، وزكها أنت خير من زكاها، أنت وليها ومولاها.
اللهم اغفر لنا هزلنا وجدنا، وخطأنا وعمدنا، وكل ذلك عندنا.