[حكم الأغاني]
السؤال
لماذا الأغاني حرام؟
الجواب
الأغنية مركَّبة من: مغنٍّ -أعني: صوتاً-.
وكلمات.
وألحان.
فإذا كان المغني امرأة؛ فقد اتفق العلماء جميعاً على حرمته، لا سيما إذا كانت تواجه الجماهير، فالمسألة هنا تكون أعظم، وإذا أضيفت إليها المزامير فالمسألة أطم.
إنما الرجل إذا أنشد شيئاً من الشِّعْر بصوتٍ جميل، جاز له ذلك بشرط ألاَّ يكون في الشعر كلام منافٍ للعقائد أو للآداب أو للنصوص أو لغيرها؛ لأن الشعر حَسَنُه حَسَنٌ، وقبيحُه قبيح.
يقول حسان بن ثابت: هجوتَ محمداً فأجبتُ عنه وعند الله في ذاك الجزاءُ هجوتَ محمداً براً تقياً رسولَ الله شيمتُه الوفاء أتهجوهُ ولستَ له بكُفءٍ فشرُّكما لخيرِكما الفداءُ فإن أبي ووالدَه وعرضي لِعرضِ محمدٍ منكم وقاءُ هذه أبيات جميلة، فإن قام شخص -مثلاً- وذَكَرها، وحسَّن صوتَه بها فهذا جائز.
إذاً: المسألة لها ثلاثة أركان: - المرأة لا يحل لها ذلك، لا بموسيقى، ولا بغير موسيقى.
- يبقى الكلام حَسَنُه حسنٌ، وقبيحُه قبيح.
- فإذا انضافت الموسيقى إلى المغنِّي؛ رجلاً كان أو امرأةً، فإنه يحرم باتفاق علماء المسلمين جميعاً، ولم يشذ عن علماء المسلمين المعتبَرين أحدٌ أذكرُه إلا ابن حزم، وإذا كان معه ابن طاهر -مثلاً-، وهذا الشذوذ قد رد عليه العلماء كلهم.
وتجد في هذا الباب شيئاً غريباً، وهو أن الذين يتكلمون عن الغناء اليوم، يزعمون كذباً أن هذا هو مذهب الكافة من العلماء! والعلماء الأربعة وجماهير أصحابهم على تحريم الغناء قاطبة، ولم يشذ إلا ابن حزم، والواحد يتعجب من ابن حزم في هذه القضية مع شدته على المخالف في الفروع، إلا أنه متسامح جداً في هذا الباب.
ولعل نشأة ابن حزم كانت قد أثرت عليه في ذلك، فـ ابن حزم نشأ في الأندلس، واللواتي ربَّين ابن حزم نساء كلهن، وأنا أستغرب كيف أن هذا الغضنفر خرج من بين هذه الأيادي الناعمة، فأنا أتصور أن الذي تربيه النساء يخرج متساهلاً، يقال: هذا تربية امرأة، ليس بتربية رجل.
فكيف خرج هذا الأسد والغضنفر والقسورة من بين أيدي النساء؟! إن كتابه ما ألف مثله أحد، وألفاظه قوية جداً، حتى قيل: سيف الحجاج ولسان ابن حزم صديقان؛ لأن سيف الحجاج ما كان يفرق بين رقاب الناس، وكذلك هو لا يفرق بين دماء المسلمين ودماء العلماء، إذا وجد عالماً خالف فمباشرة يرد.
فشذَّ ابن حزم في هذا، وولع المتأخرون بفتوى ابن حزم تحت ضغط الجماهير، وضغط الواقع المخالف، حتى تجد العالم منهم يفتي بفتوى عجيبة الشكل، مثلاً أكبر رأس دينية عندنا سئل في ميلاد المغني الشهير العندليب، سئل سؤالاً: أهذا الرجل في الجنة أم في النار؟ فقال لهم: وهل أنا مَن لديه المفتاح؟ بالله عليكم أهذه إجابة؟! وآخر قيل له: أهو في الجنة أم في النار؟ فقال: طبعاً في النار.
لماذا؟ قال: لأنه مات مسيحياً.
فهذا رجل صريح، ويفتي على أصول، ولا خافَ وحدةً وطنية ولا غيرها.
أما هذا الجواب الذي أجاب به الأول: (وهل أنا مَن لديه المفتاح) فنعم.
صحيحٌ، نحن نعرف أن المفتاح ليس معك ولا مع غيرك؛ لكن كان ينبغي أن تأتي بفتوى واضحة، فصحيحٌ أنه لا يُفتى لمعين بجنة ولا نار؛ لكن نقول: إن هذا الذي فعله فسق، ونحن لا نحكم على الفاسقين أنهم في النار، ولا على العصاة أنهم في النار، لعل لهم حسنات ماحيات، أو لعل لهم أشياء لا نعرفها، أو يتغمدهم الله برحمته ابتداءً مثلاً، أو لعل الله عز وجل رزقه توبة بين يدي موته، فنحن لا نحكم لمعين بجنةٍ ولا نار، إلا إذا كان عندنا نصٌ من المعصوم، مثل: فلان في النار.
وهذا معنى قول العلماء: مَن لم يكفِّر الكافر فهو كافر، أي مَن لم يكفِّر مَن كفره الله ورسوله، بدليلٍ قطعيٍ لا يتطرق إليه الشك من جهة الثبوت فهو كافر؛ لأنه يردُّ على الله ورسوله، إنما أي واحد ليس عندنا دليل قطعي في تكفيره، لا يحل لنا أن نُقْدِم على تكفيره لوجود الاحتمال.
فصحيح أن المفتاح ليس معه؛ لكن يندد بما كان يفعل.
فيقول مثلاً: كان يغني بالحرام، ففي بعض كلماته: القَدَر الأحمقُ الخُطى سَحَقَتْ هامتي خُطاه أو أنه كان يحلف بعيني محبوبته أو بمخها، أو بعقلها، أو بأي شيء، وهذا كله شرك ولا يجوز، فضلاً عن الموسيقى والتأوهات والكلام الفارغ الذي كان يقوله، فهذا كله حرام؛ لأن هذا كله فتح لباب الفسق على مصراعيه.
فما كان ينبغي أن تمر هذه الفتوى بدون هذه الإدانة؛ لكنه خائف من (الدستور) و (روز اليوسف)؛ فهذه بعض كلاب مسعورة تنهش أي شخص، فإذا قال بكلام مثل هذا قالوا: هذا هو الإرهاب الذي يريد أن يلغي المتعة؛ لأن أعصاب الناس متعَبة، والاقتصاد منهار، والغلاء فاحش، فهم يريدون أن يسمعوا كلمتين غنائيتين لينسوا واقعهم المر.
فيهجمون عليه.
إن عندنا طابوراً خامساً عمله أن يأكل في الخارج، ويتغوط عندنا.
وعندما أصدر شخص كتاباً عن الفنانات التائبات، وأراد أن يعمل إعلاناً مدفوع الأجر عن الكتاب في التلفاز، فقال: أنا أدفع المال، وأريد أن أعمل إعلاناً عن فنانات تائبات، فالعباقرة رفضوا نشر الإعلان؛ قالوا: لأن معنى تائبات أن اللاتي لم يتبن يكن عاصيات، أي: أننا نحارب قطاع الفن ونهدم شغلنا بأيدينا، ولكن غير العنوان وسننشر لك الإعلان.
ينبغي للعالِم ألا يهاب أحداً، فإذا تعلق قلب العالِم بنصر العوام إياه، هُزم في أول جولةٍ من أضعف عدو، لكن العالِم يتعلق قلبه بالله فقط.
٠ لا يوجد عالِم من المتأخرين أخذ شهرة الإمام أحمد حتى قيل: إذا رأيت الرجل يبغضُ أحمد، فعادِه على الإسلام، جعلوا أحمد رمز الإسلام، وما نال أحمد رحمه الله هذا إلا بعد الفتنة التي رفعت مناره.
فالإمام أحمد العدل الثقة الثبت الرضا، لما أُبتلي بمحنة خلق القرآن، وكان يحضر مجلسه مائة ألف محبرة، دخل أحمد وجلد، ماذا فعلت المحابر؟ هل نصروه؟ هل فعلوا له شيئاً؟ ما فعلوا شيئاً، في حين أن كتب التاريخ تذكر أن المأمون سمع همهمةً ودمدمةً خارج قصره: أيها العرب! ماذا تريدون؟ قالوا: نريد لحماً.
فأرسل إلى بلاد أخرى وأتى لهم باللحم.
إذاً: العوام يهمهمون، ولا يخافون من الأمن المركزي، ولا شيئاً من هذا، لقد ذهبوا إلى أمام قصر الخليفة، وقالوا بصوت عالٍ: نريد أن نأكل لحماً.
فقال: أعطوهم لحماً.
فالعوام لا يتحركون إلا لهذا الهدف فقط.
فالعالِم إذا مضى في طريقه وهو ينتظر من العامة أن ينتصروا له، أو يثأروا له، أو أن يخرجوا مظاهرات من أجله أو شيئاً من هذا؛ فهذا مغلوب قال تعالى: {الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسَالاتِ اللَّهِ وَيَخْشَوْنَهُ وَلا يَخْشَوْنَ أَحَداً إِلَّا اللَّهَ} [الأحزاب:٣٩] هذا هو مذهب العالِم.
فأنا لما أرد على هذه الفتوى أقول: أنا لا أحكم بجنةٍ ولا نارٍ؛ لأن مذهب أهل السنة كذا وكذا وكذا؛ لكن ما فعله هذا الرجل، كان فسقاً وفجوراً، وكان كذا وكذا، وهو ميت، لا أترك الفتوى مبتورة، هذا هو واجب العالِم؛ لأن العالِم ناصح، وتَرْكُ إسناد الفتوى بهذه الصورة خيانة لأمانة العلم والرسالة.
فالغناء اتفق العلماء على حرمته، ومن العَجيب أن هناك ممن يُشار إليه بالبنان يكتب وهو يتكلم عن حل الغناء فيقول: لا أرى في الغناء بأساً، وأنا أحب أن أسمع أغنية: أخي جاوز الظالمون المدى فحق الجهاد وحق الفدا وكذلك: وُلِد الهدى فالكائنات ضياءُ وفمُ الزمان تبسمٌ وثناءُ كلامٌ جميل.
وفيروز كذلك لها أغانٍ جميلة أيضاً في آخر الليل، تُحَب.
لاحظ الكلام! آخر الليل؟! عند قيام الركَّع السجود، وتجلي الله تبارك وتعالى للخلق، ونزولِه للسماء الدنيا: (هل من تائبٍ فأتوب عليه؟) وقال النبي صلى الله عليه وسلم بعد أن سئل عن أفضل الصلاة بعد الفريضة: (في ثلث الليل الآخر) في هذا الوقت أقعد أنا أسمع لـ فيروز؟! والذي يقولها رجلٌ يشار إليه بالبنان؟! رحمه الله، وسامحه، وتجاوز عنه.
ويحتجون به علينا، ويَصْدُرُ هذا الكلام في كتاب، وينشر ويُطبع في ثلاث عشرة صفحة.
ورجلٌ آخر ممن يشار إليه بالبنان يقول: لا زال العلماء الكبار يقولون بذلك، وقد قال حسن العطار شيخ الجامع الأزهر: مَن لم يصغِ إلى حنين الأوتار فطبعه أجلف من طبع الحمار.
هذا هو الدليل الذي جاء به.
فأنزلوا كلام حسن العطار منزلة كلام المعصوم.
لا يعرفون ما معنى الدليل، لو تسأل أحدهم وتقول له: ما هي الأدلة في أصول الفقه؟ تجده لا يعرف شيئاً، وهذا يذكرني بالرجل الآخر الذي قيل له: يا مولانا قيل: إن الصلاة في المساجد التي فيها قبور حرام.
فقال: يكفي أنني أصلي في المسجد، فجعل فعله دليلاً، أي: بما أنه يصلي في الجامع الذي فيه القبور فكيف يكون حراماً وهو يصلي فيه؟! فهؤلاء لا يعرفون معنى الأدلة، ولا يعرفون إقامة الفتوى بدليلها.
من أراد أن يتبع العلماء، ويستمع إلى الفتوى الصحيحة التي ما قال بها أحد إلا احتج به؛ فليتبع فتاوى الأئمة الأربعة الذين صرحوا بتحريم الغناء، بل إن بعض العلماء -وهذا يدل على أنه كان مشهوراً عندهم- مثل الإمام أبو بسطام شعبة بن الحجاج رحمه الله، الذي كان شامة في جبين المحدثين، رفع اسم البصرة إلى السماء، ترك الرواية عن أحد شيوخه الثقات واسمه: المنهال بن عمرو وكان من رجال البخاري؛ لأنه وهو مار بجانب الدار سمع صوت مزمارٍ أو عود ينبعث من دار المنهال، فترك الرواية عنه وأسقط بذلك روايته؛ لأنه بهذه الصورة صار فاسقاً.
وقال الشافعي رحمه الله: إذا اشترى رجلٌ جارية فوجدها تغني؛ ردَّها بالعيب.
الإمام أحمد بن حنبل رد كلام شعبة، وقال: لعله كان يعزف على العود وهو لا يدري، أ