للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[من المسئول عن عجز الخطباء والدعاة]

ما معني أن يكون رجل ساكن في عين شمس ويخطب الجمعة في حلوان وهو كفيف البصر، ما معنى هذا الكلام؟ رجل كفيف البصر يسافر من عين شمس؛ لكي يخطب الجمعة في حلوان على بعد (٣٠كم) يتعلق بمواصلتين وثلاثة، هل عين شمس خلت من المساجد؟ لماذا لا يخطب هذا الرجل في عين شمس، ورجل حلوان يخطب في حلوان؟ ثم تنظر إلى البدلات التي تصرف للأئمة، نحن على يقين أن أكثر من (٩٥%) من خطباء الأوقاف جهلة، والمسألة مزدوجة، أي: ليس الذنب عليهم دائماً، لَمَّا يُعْطَوا (١٠) جنيهات (بدل كتب) لو أراد أن يشتري كتاب فتح الباري مثلاً وهو كتاب قاموس السنة، والإنسان لا يستغني عنه أو أي باحث في العلم، الكتاب هذا بـ (٢٥٠) أو (٢٤٠)، يعني: أنه يظل سنتين يسدد أقساط كتاب واحد إذا وافق البائع على ذلك، مع أننا يمكننا أن ننفق مائة ألف أو تزيد في استقبال واحد من النصارى: مرحباً بالضيوف، مائة ألف، بئر معطلة وقصر مشيد، بئر لا ماء فيها، وقصر مشيد، المائة ألف التي تنفق في كل ضاحية وكل حي، لو جاءوا بها بكتب لهؤلاء الناس، حتى يعلموهم شيئاً؛ لكن وبكل أسف! الذي يصعد هذا المنبر لا يدري أبجديات الإسلام، قد يكون ذكياً ومحصلاً، ومحباً لدينه، ويتمنى أن يخدم؛ لكن ليس عنده علم.

كثير من هؤلاء الشباب يسألونني سؤالاً واحداً: ما حكم الشرع في (الهروب) من الدروس؟ هو له جدوى كل يوم لا بد أن يعطي درساً بين المغرب والعشاء في المسجد المعين فيه.

هذا الرجل من أين سيأتي بالكلام؟ ليس عنده كلام، إن الذي يقدر أن يعمله أنه يزوغ من الدرس، لأنه سيحرم نفسه، يصعد ماذا يقول؟ يقول مثل أشعب! المحتال الطفيلي الذي ذكر الخطيب البغدادي في ترجمته من تاريخ بغداد قالوا: يا أشعب! أدركت الناس والطبقة -أي: التابعين- ولا تزال تجري على الموائد وعلى بطنك، فقد أدركتَ عكرمة والناس، فهلا عقدت مجلساً للعلم يُنْسَأ به أثرك، وتنبل في الناس؟ قال: أفعل إن شاء الله، وحدد موعداً للدرس، وجلس، واجتمع الناس من كل حدب ينسلون - أشعب مدرساً، يعني: هذه أعجوبة من الأعاجيب، حتى يكون هناك من يستفيد من أشعب كيف سيتكلم؟! - فوقف على المنبر وقال: حدثني عكرمة عن ابن عباس -يا له من إسناد عالٍ بينه وبين النبي صلى الله عليه وسلم إسناد فقط، هذا هو الإسناد العالي المشرف، قال: حدثني عكرمة عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (خصلتان في المؤمن إن أحرزهما دخل الجنة) ثم سكت، قالوا: هيه! يا أشعب، قال: أما الأولى فنسيها عكرمة، وأنا نسيت الثانية.

فالرجل ليس عنده كتب وليس عند زاد يتزود منه، كل يوم درس؟ أهو ابن تيمية، سيأتي بكلام من أين؟ كل يوم درس؟ فيجيء الشاب الذي من المفروض أنه يعلم الناس الدين، فيهرب ويريد أن يسأل عن حكم الشرع في (الهرب)، عندما يكون هذا هو الإمام المقتدى به، لذلك أقل القليل من المساجد هي التي تقوم برسالتها وواجبها، لكن أغلب المساجد فقدت أهميتها وقيمتها وصارت مجرد مكان لإقامة الصلاة.

إذاً: عندما يكون هؤلاء جميعاً وفيهم طلبة نابهون ويقول: إن الجهل الذي وقعوا فيه ليسوا هم السبب فيه، يعني: هم أحياناً مظلومون، وهؤلاء يحتاجون إلى مراجع، من الذي يوفر لهم المراجع؟