للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[نماذج لكيفية وزن الرجال بميزان الدين]

ذكر أبو نُعيم في كتاب: حلية الأولياء، في ترجمة سعيد بن المسيب رحمه الله، سيد التابعين، قال: عن كثير بن المطلب بن أبي وداعة، قال: كنت أحضر مجلس سعيد بن المسيب في مسجد النبي صلى الله عليه وآله وسلم، ففقدني أياماً، فلما جئت قال: أين كنت يا بن أبي وداعة؟ قلت: ماتت زوجتي، فانشغلتُ بها، قال: فهلا آذنتنا فشهدناها معك، قلت: كرهت أن أشق عليك، قال له سعيد: هل أحدثت زوجةً؟ فقلت له: يرحمك الله ومن يزوجني، وليس معي من المتاع شيء، قال له: أزوجك ابنتي، قال: نعم، ولكن ليس عندي غير درهمين أو ثلاثة، فتشهد سعيد وحمد الله عز وجل وزوجه ابنته بنت سعيد بن المسيب وقد خطبها أمير المؤمنين عبد الملك بن مروان لابنه الوليد بن عبد الملك ولي العهد، فأبى سعيد أن يزوجه، حتى إن عبد الملك بن مروان احتال واخترع مصيبة لـ سعيد بن المسيب وجلده مائة جلدة انتقاماً منه، وصب عليه جرة ماءٍ باردة في يوم بارد، وألبسه جبة صوف بسبب أنه رفض أن يزوج ابنته من ابنه، هذه هي الرجولة، لو تقدم أمير المؤمنين لأي واحد منا فلن ينام الليل!!، سيقول: الحمد لله! ضمنت أن البنت ستعيش في عيشٍ رغيد، والنعمة ستكون تحت رجليها، لكن موازين الرجال مختلفة: {إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الأَمِينُ} [القصص:٢٦]، لكن سعيد بن المسيب حمد الله وأثنى عليه، وتشهد، وصلى على النبي صلى الله عليه وآله وسلم وزوج الرجل، فقال: فلما جاء اليوم الثاني وكنت صائماً، ووضعت أمامي خبزاً وزيتاً لأفطر طرق الباب، قلت: من؟ قال: سعيد، قال: ففكرت في كل سعيدفي الدنيا إلا سعيد بن المسيب، فإنه ما رؤي منذُ أربعين سنة إلا بين البيت والمسجد، وما فاتته تكبيرة الإحرام قط، فقلت: أفي بيتي سعيد بن المسيب ما عهد الرجل هكذا -لذلك خطر على باله كل سعيد إلا سعيد بن المسيب - قال: ففتحت الباب فإذا سعيد، فظننت أنه تراجع أو بدا له شيء، فقلت: يرحمك الله، كنت أحق أن آتيك أنا، قال: ل.

، لكنك رجل قد تزوجت، وكرهتُ أن تبيت الليلة عزباً، فخذ زوجتك.

وكانت خلفه في الباب، قال: فلما دخلت المرأة سقطَت من الحياة، وأغلقت الباب وصعدت إلى السطح أنادي في الجيران، فقالوا: مالك؟ قلت سعيد زوجني بابنته، فنزلت إليَّ أمي، فقالت لي: والله لا تقربها حتى أصلحها لك في ثلاثة أيام، قال: فبعد ثلاثة أيام دخلت بها، فإذا هي من أجمل النساء، وأحفظهن الناس لكتاب الله، ولسنة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وأرعاهن لحق زوجها، فمكثت شهراً لا ألقى سعيداً، فلما أردت أن أخرج أمسكت بإزاري، وقالت: إلى أين؟ قلت: أذهب إلى سعيد أتعلم منه، قالت: اجلس أعلمك علم سعيد.

فلو كن النساء كمثل هذي لفضلت النساء على الرجال فما التأنيث لاسم الشمس عيب ولا التذكير فخر للهلال أين هؤلاء النساء؟ المرأة هي قاعدة البناء العظيم الذي ترتكز عليه الأمة، فساد المرأة يعني فساد الدنيا والآخرة، وصلاحها صلاح الدنيا والآخرة.

سعيد زوّج رجلاً معه ثلاثة دراهم فقط؛ لما لمح فيه من الصلاح والنجابة والأمانة والقوة، فيا أيها الناس! اختاروا لبناتكم الرجل الصالح.

أيها الرجل: لا تستحيي أن تعرض ابنتك أو من كنت وليها على من تثق بدينه وتقواه، لست أفضل من عمر، ولست أفضل من صاحب مدين، هؤلاء السلف، ونعم السلف لنا، سنُّوا لنا هذه السنة، وعلم بها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وما عنف عمر وما راجعه، فدل ذلك على أنها سنة بإقراره صلى الله عليه وآله وسلم.

اللهم اغفر لنا ذنوبنا، وإسرافنا في أمرنا، وثبت أقدامنا، وانصرنا على القوم الكافرين.

اللهم اجعل الحياة زيادةً لنا في كل خير، واجعل الموت راحةً لنا من كل شر، اللهم قنا الفتن ما ظهر منها وما بطن، اللهم لا تجعل الدنيا أكبر همنا، ولا مبلغ علمنا، ولا تجعل مصيبتنا في ديننا، ولا تسلط علينا بذنوبنا من لا يخافك ولا يرحمنا، رب آتِ نفوسنا تقواها، وزكها أنت خير من زكاها، أنت وليها ومولاها، اللهم اغفر لنا هزلنا وجدنا، وخطأنا وعمدنا، وكل ذلك عندنا.

والحمد لله رب العالمين.