للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[دور الإعلام في بعض الدول الإسلامية في نشر الرذيلة بين المسلمين]

أصبحت الحرب الآن فكرية إعلامية رهيبة، سئل مسئول إعلامي عن المسلسلات الفاضحة التي تدعو إلى المجون صراحة.

فرد المسئول قائلاً: التلفاز هذا أليس له مفتاح؟ فليغلقله يا أخي! فنقول له: وأنت ما عملك؟ فلماذا لا تدعني أقتل خلق الله، وأسرق البنوك، وأعمل كل شيء وأنا حر في ذلك، فلماذا تقتلني وتضعني في السجن وتشنقني؟! يقول لك: أصلاً أنت متعدٍ على القانون، وهذا ليس في مصلحة الناس.

وهل من مصلحة الناس نشر الفجور فيهم؟ وأنت رجل وضعت أميناً عليهم ومسئولاً أمام الله تبارك وتعالى، فكيف تسرب الفساد، ثم تأتي وتقول: للتلفاز مفتاح، والذي يريد أن يقفله يقفله وأنت تعلم أن الناس لا يلتزمون أهذا منطق؟! وهلاّ اعتمدت هذا المنطق في بقية المسائل، دعني أفعل ما أريد، فلماذا تحاسبني على أي خطأ آخر؟ لكن هذا مخطط رهيب لتغريب هذه الأمة، فكتب الدين والمناهج الدراسية، رفعت منها الآيات التي تسب اليهود وتلعنهم، كأنها ليست قرآناً.

جاءتني نشرة من شخص أرسلها إلي في خطبة من الخطب، وكنت أظنها سؤالاً، فإذا بها منشور من وزارة الأوقاف لفلان من مديرية الأوقاف لهذا البلد، وتطلب من هذا الرجل ألا يتكلم عن عمر بن الخطاب، وفيها ختم المدير وإمضائه، وبعث لي الورقة أقرأها، فضربت كفاً بكف عمر بن الخطاب! نعم؛ لأن عمر بن الخطاب ذكره يؤلم أناساً، فالكلام عن عمر بن الخطاب يعد مشكلة، لأنه كلام عن العدل والإيثار وهذه الأشياء مشكلة! وفي كل يوم تدفع إلينا أرحام المطابع بسموم كثيرة جداً، ولا يُمكن للدعاة إلى الله تبارك وتعالى أن يصلوا إلى هذه الجماهير التي وصل إليها المفسدون فعلى الأقل لو جعلت وسائل الإعلام منبراً للجميع، وكل واحد يعرض فيها بضاعته، على سبيل العدل، فلو جاء شخص يدعو لزواج المتعة، فدعني أرد عليه، وهذا شيخ الأزهر نفسه تألم حين أرسل رداً إلى الصحف ولم يتم نشره، وهو أكبر شخصية إسلامية في البلد، فكيف يمكن أن يتم البنيان؟ فهل يبلغ البنيان يوماً تمامه إذا كنت تبنيه وغيرك يهدم وأورد هنا حادثة حصلت عندنا حين عرضت وزارة الإعلام مسرحية ماجنة، قاموا فيها بالإتيان بمجسم يمثل الكعبة، وأتوا ببئر بترول تحت الكعبة، وجاءوا براقصة عارية ترقص فوق الكعبة! وهذه عرضت، وفي النهاية المخرج قال: أنا مسلم، موحد الله، حتى إني ألبس خاتم فضة.

فكأننا إذا لبسنا خواتم من فضة! يعني أننا وصلنا إلى قمة الالتزام!! فهل يفعل هذا في صورة الكعبة، التي هي البيت العتيق الذي تحن إليه أفئدة المسلمين من جميع العالم! أنت عندما تذهب إلى البيت العتيق وتدخل وتراه يقف شعرك، وجلدك يقشعر من عظمة البيت! وأنت ترى الناس وهم يطوفون حوله.

الشيء المعظم عندنا يصل به الامتهان أن يصور، ويؤتى براقصة لترقص فوق البيت؛ بدعوى أن الجماعة الذين عندهم البترول هم الراقصون وهم إلخ، ولا يستخدمون المال فيما يريد الله، فيأتي هذا المخرج لبيان هذا الواقع فيعرض البيت للمهانة! إن هذه رموز دينية، فلو جاء رجل ورسم صورة الكعبة، ووضعها على الأرض، وقال للناس: دوسوا.

فهذا يعزر؛ لأن هذه ليست مجرد صورة، بل هو رمز ديني.

لما سقطت الخلافة الإسلامية في تركيا، وفرضوا القبعة على الشعب التركي بدل العمامة -والقبعة شعار غربي- قام علماء الدين جميعاً يقاومون القبعة، فقبض على جماعة منهم، وجيء بواحد من العلماء -طبعاً حكموا عليه بالإعدام- فقال له القاضي وهو يحاكمه: ما أتفهكم يا علماء الدين! أقمتم الدنيا ولم تقعدوها لقبعة، وهي قماش، وتقولون: البسوا العمامة.

وهي قماش، فما الفرق بين القماشين؟! قال له: أيها القاضي! إنك تقضي وخلفك علم تركيا، فهل تستطيع أن تبدله بعلم أمريكا، وهذا قماش وهذا قماش؟! فألقمه حجراً وأسكته.

لأن هذا يمثل عنواناً، فكما أنك لا تستطيع أن ترفع علم بلد غير بلدك فوق رأسك وأنت تتكلم؛ لأن هذا يعتبر عندكم من الخيانة العظمى والعلم عبارة عن قماش، ثم هم يطالبونا بتحية العلم أيضاً لماذا؟ أليس العلم قماشاً؟ قال لك: لا، الذي لا يؤدي تحية هذا العلم نفصله لأن هذا رمز البلد، وشعارها، وعنوانها.

فنحن نخاطبهم بنفس الطريقة ونستخدم نفس الأصل، فنقول: هذا أيضاً عنوان، فالكعبة عنوان، فليس من الضروري أن يصعد فوق الكعبة المشرفة نفسها ويعمل هذه العملية ومع ذلك لم يحاكم المخرج بل أخذ الجوائز عن هذا العمل.

ولو كان سهماً واحداً لاتقيته ولكنه سهمٌ وثانٍ وثالث وإذا تتابعت السهام، وتكسرت النصال في الجسد؛ لا يستطيع المقاومة، فلا تأخذوا دينكم لا من صحف ولا مجلات، وأخرجوا التلفاز من البيوت، فهو والله دمار، وهو من أخطر ما يكون! وأنا على استعداد لأن آتي لكم بتقرير شركة إنترناشونال -شركة يابانية منتجة لجهاز للتلفاز- وهذا نشر في مجلة البيان التي تصدر في لندن، يقول العالم الذي كتب هذا التقرير: إن الأشعة التي يرسلها التلفاز تجعل العقل نصف نائم، بحيث أنه يتلقى كل الذي يقذف إليه بلا أي مقاومة، فهذه الأشعة من خصائصها أنها تؤثر على العقل، وتجعله نصف نائم، ويقول: إن علماء الأشعة لم يستطيعوا الحد من خطورة الأشعة تحت الحمراء -التي في التلفاز الملون- وهي تصيب المدمن الذي يشاهد كثيراً بالسرطان.

وقد قرأت هذا التقرير مرة على المنبر، وقد صار لنا ثلاث سنوات نردد هذا الكلام وكأننا نحرث في الماء، ونقول: أخرجوا التلفاز، فهو حرام، ونأتي بالأدلة الشرعية على أن وجود التلفاز في البيوت حرام، ومع ذلك يرفض كلام العالم ويقال: هذا ليس خبيراً.

طيب: فالآن أتينا لكم برأي الخبراء.

وبالفعل هناك أناس رفعوا جهاز التلفاز لما لوحت بهذا التقرير على المنبر، فقفز إلى ذهني قوله تبارك وتعالى: {وَإِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَحْدَهُ اشْمَأَزَّتْ قُلُوبُ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ وَإِذَا ذُكِرَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ إِذَا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ} [الزمر:٤٥]، فحين نسمع كلام (الخواجة) نسلم له لأن (الخواجة) يفهم، والخواجة دقيق في أحكامه ودراساته، لكن كلام الشيخ لا.

لماذا؟!! بل العالم هو أنصح الناس للناس، لاسيما إذا كان من بني جلدتك إذا كان مسلماً مثلك، هو يأخذ بيدك إلى الله تبارك وتعالى.

المشكلة حتى في عرضهم للمادة الإعلامية، عرض خبيث جداً.

طيب! مدرسة المشاغبين، عندما نشروها، ألم يزدد الشغب في المدارس؟ فما الذي استفدناه؟ يقول لك: لكي نبين أن الحق ينتصر في النهاية؟ ليتها ما زنت ولا تصدقت، كانت امرأة دائماً تزني لماذا يا امرأة؟ قالت: أريد أن أبني مسجداً هذا لا يصلح.

إنهم في وسائل الإعلام يعرضون الشر بالتفصيل الممل، يعني مثلاً: إذا عرض الشر في ثلاثين حلقة، بأن يعرض الممثل مبيناً كيف يضرب، وكيف يكسر القفل، وكيف يسرق، وكيف يعمل، وبعد ذلك لم يستطع أن يكسر القفل، فقام وقعد يخترع مفتاحاً ووسيلة لكسر القفل، ويستغرق خمس أو ست حلقات في هذا العمل، وأخيراً يفتحه، ثم إذا به عندما قبضت عليه الشرطة وأدخل السجن، يقول: يا ليتني ما أقدمت على هذا العمل، وينتهي المسلسل على هذا.

فهلا جُعلت أيضاً ثلاثون حلقة تصوره وهو يتجرع المر؛ لكي يحصل نوع من التصور، فاعتقاد الشيء فرعٌ عن تصوره، فحين تريد أن تنفر إنساناً من شيء تأتي له بتفاصيل هذا الشيء.

فأنت مثلاً حين تصور حاله بعد دخول السجن وقد تشرد عياله، وهو لا يستطيع النوم، ويظل يتقلب على فراشه يجافيه النوم، ويظهر عليه الندم على ما اقترفت يداه، فعند ذلك يحصل تصور لدى المشاهد.

لكن أتيت له بتصور مفصل للجريمة، ولما جاء الإصلاح قمت واختزلته في مشهد وأنهيت المسلسل، فهذا هو الذي يحصل، فهل هذا عرض يرجى به نصيحة؟ وأنا دائماً أقول: لابد من اقتران التربية بالتعليم، لأي مصلحة أعمل لافتة طويلة عريضة، أظهر فيها صورة علج على حصان، وبيده علبة سجائر (مالبورو) وأكتب بخط يرى بالميكروسكوب: التدخين مضر جداً بالصحة، هلا كتبت ذلك على رأس هذا العلج، لكي أراه أنا أيضاً.

ولماذا هذه القسمة الضيزى، فأنت تعلم أن هذه العبارة الصغيرة هي في صالح الناس، فلماذا تكتبه بهذا الحجم الذي لا يرى؟!! وهذا يذكرني بقصة رجل وجد عنزاً، فذهب إلى الشيخ وقال: يا شيخ! أنا وجدت عنزاً.

قال له: لابد أن تعرفها سنة.

قال: وكيف أعرفها؟ قال: تطوف في الشوارع وتقول: من الذي ضاعت عليه عنزاً؛ فكان يمشي في الشارع ويقول: من الذي ضاعت عليه عنز بصوت خفيف جداً -أي: أنه يرفع صوته بالكلام ثم يخفضه إذا جاء عند ذكر العنز- فماذا استفاد الناس من صراخ هذا الذي ينادي؟ لم يستفيدوا شيئاً.

فكذلك عندما يأتي من يقول: التدخين مضر جداً بالصحة، لا تدخن، فهل هذا مؤتمن عليَّ؟ والأساتذة في كلية الطب والمجامع العلمية الطبية تعقد المؤتمرات في كل مكان، وتعرض في شتى وسائل الإعلام خطورة هذا التدخين.

إذاً: أنا مثلما أقاوم المخدرات، والهيروين، أقاوم التدخين وما الفرق؟ بعدما ثبت طبياً عند الكفرة -ودعك منا؛ حتى لا نكون متطرفين- أن هذا مضر جداً بالصحة.

وإذا كان الناس لا يعرفون مصلحتهم فلماذا لا أضرب على أيديهم؟ وإلا فلم أتأمر عليهم؟ فيحق لي أن أضرب على يد المخطئ كي لا يضر نفسه؛ لأنني أدرى بمصلحته.

فنحن أمام مخطط رهيب، يجب التفطن له، ويجب الركون إلى علماء الدين الأعلام، لا تأخذوا دينكم من الصحف والمجلات، ولا ممن لا تثقون بدينه، الذين يتقلبون كل يوم كالحرباء، إنما خذوا دينكم من أهل العلم، وهم كثر والحمد لله، فإن الله لم يخل العصر من قائم له بالحجة.

نسأل الله تبارك وتعالى أن ينفعنا وإياكم بما علمنا، وأن يعلمنا ما جهلنا، وأن يجعل ما سمعناه وما قلناه زاداً إلى حسن المصير إليه، وعتاداً إلى يوم القدوم عليه، إنه بكل جميل كفيل، وهو حسبنا ونعم الوكيل.

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.