[زوجات النبي صلى الله عليه وسلم وفضل عائشة]
قال عمر: (فأفزعني ذلك، وقلت: أوتفعل حفصة ذلك؟!) ولم يقل: أتفعل عائشة، أتفعل أم سلمة؛ لأن الإنسان إنما يكون عطوفاً على ولده، يبحث عن ولده قبل أن يبحث عن غيره، ما ذكر إلا حفصة وقال: (لقد خابت وخسرت، ثم جمع ثيابه ونزل في الحال، وقال: أي بنية! أتغاضب إحداكن النبي صلى الله عليه وسلم وتهجره اليوم حتى الليل؟ قالت: نعم.
قال: وما يؤمنكِ أن يغضب الله لغضب رسوله فتهلكي؟ لا تسألي النبي صلى الله عليه وسلم ولا تراجعيه، ولا تهجريه، وسليني ما بدا لكِ).
الإمام البخاري رحمه الله بوب على هذا الحديث لأجل هذه الفقرة، قال: (باب موعظة الرجل ابنته لحال زوجها)، يا ليت الآباء الذين زوجوا بناتهم يتعلمون من هذا الدرس، (باب موعظة الرجل ابنته لحال زوجها).
أي رجل منا له بنت فزوجها ذراعه مكسور مهما كان ملكاً مطاعاً، وإذا كان زوج البنت ليس بذاك الرجل النبيل، ومع ذلك أنت ممكن تنفق على بنتك، وتعطيه مالاً، وتثني عليه بما ليس فيه ليستقيم الحال بخلاف الولد.
فأنت ينبغي عليك أن تعين زوج ابنتك، ولا تحرض ابنتك عليه، ومن المشاكل الكثيرة الشائعة التي زلزلت البيوت أن الأب مثلاً ممكن يذهب فيقرّع زوج البنت أمام البنت، يقول له: أنت غلطان، وهي محقة، المفروض تفعل كذا وكذا لا يا أخي! ينبغي أن تظل قوامة الرجل كما هي، ولا توغر صدره، مر ابنتك بالمعروف والإحسان، فإذا خلوت بزوجها فمره بالإحسان، لكن لا تسمح لابنتك أن تذكر سيئات الزوج هكذا أمامه، كل هذا رعاية لصدر الزوج، وإعمالاً لتمام قوامته على المرأة، كما فعل عمر بن الخطاب رضي الله عنه، قال لها: (لا تسأليه، ولا تستكثريه، ولا تهجريه، وسليني ما بدا لكِ.
ثم قال لها: ولا يغرنكِ أن كانت جارتكِ أوضأ منكِ وأحب إلى النبي صلى الله عليه وسلم -وهو يريد بذلك عائشة-) يريد أن يقول لها: إن عائشة أجمل منكِ، ولها دلال على النبي عليه الصلاة والسلام، فقد يحتمل ذلك لها لمكانتها عنده، فإذا حاولت أن تقلديها لا يحتمل لكِ؛ لأنه ليس لكِ من المكانة مثل ما لها.
وكانت عائشة رضي الله عنها محبوبة جداً لدى النبي عليه الصلاة والسلام، وكان النبي صلى الله عليه وسلم لا ينكر ذلك، بل كان يبديه أحياناً، لما حدث بينه وبين بعض زوجاته كلام بشأن عائشة قال: (لا والله، ما نزل الوحي في لحاف امرأة غيرها) وجعل هذا منقبة لها، وكان هذا -كما قلت سابقاً- لا ينكره النبي عليه الصلاة والسلام حتى علمه الصحابة، فكانوا يتحرون بهداياهم ليلة عائشة كما في الصحيحين، من حديثها أيضاً رضي الله عنها، قالت: (كان المسلمون يتحرون بهداياهم ليلة عائشة) فحبيب حبيبي حبيبي، إذا أكرمت من أحب أحببتك.
فكان الصحابة يعلمون ذلك، فكانوا يتحرون بهداياهم ليلة عائشة، من أراد أن يهدي النبي صلى الله عليه وسلم هدية فإنه يمكث حتى إذا كانت ليلة عائشة يعطيه الهدية، حتى صار عند عائشة هدايا كثيرة، وأزواج النبي عليه الصلاة والسلام يعلمن ذلك، فما أعجبهن هذا الحال، فأردن أن يراجعن النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك، وأنه يقسم الهدايا عليهن، فأرسلن أحب الناس إليه، وهي فاطمة رضي الله عنها.
قالت عائشة: (فدخلت فاطمة لا تخطئ مشيتها مشية النبي صلى الله عليه وسلم، وكان النبي صلى الله عليه وسلم في لحافي، فدخلت فقال: أهلاً بابنتي! فأجلسها، فقالت: يا رسول الله! إن أزواجك يسألنك العدل في ابنة ابن أبي قحافة.
فقال: أي بنيتي! أتحبينني؟ قالت: أجل.
قال: فأحبي هذه.
وذهبت إليهن وهن مؤتمرات في بيت إحداهن، فلما دخلت قالت: والله! لا أراجعه فيها أبداً)، فأرسلن بعد ذلك زينب، وهي التي كانت تسامي عائشة رضي الله عنها في المنزلة عند النبي عليه الصلاة والسلام.
قالت عائشة: (فدخلت زينب والنبي صلى الله عليه وسلم في لحافي، فكلمت النبي عليه الصلاة والسلام، ثم وجهت كلاماً لـ عائشة وأضجعت في الكلام -يعني: قالت كلاما قوياً- قالت عائشة: فنظرت إلى النبي صلى الله عليه وسلم هل يكره أن أنتصر؟ -يعني: لو رددت عليها هل يكره ذلك؟ - قالت: فلما علمت أنه لا يكره أن ينتصر قمت لها فأفحمتها، فتبسم النبي صلى الله عليه وسلم وقال: إنها ابنة أبي بكر!) أي: لا تغلب.
فانظر إلى هذا الوفاء من قبل عائشة رضي الله عنها تقول: (فنظرت إليه هل يكره أن أنتصر؟) المرأة ينبغي أن تراعي شعور زوجها، فلا تأتي الشيء الذي يكرهه أبداً، هذا من العشرة بالمعروف، من حقه عليها، ولم يأذن النبي صلى الله عليه وسلم بقسمة الهدايا؛ لأن هذا ليس ملكاً له عليه الصلاة والسلام، إنما يسأل الرجل -إذا تزوج بأكثر من امرأة- العدل فيما يملك، أما الهدايا فلا تدخل في هذا؛ ولهذا لم يجبهن النبي عليه الصلاة والسلام.
وكانت أخبار عائشة رضي الله عنها فاشية يتحدث بها الخاص والعام، فيقول عمر بن الخطاب لها: يا بنيتي ليس لكِ من الإجلال ولا المكانة ولا الجمال مثل عائشة، فلا تقلديها، فإنه يحتمل لها ولا يحتمل لكِ.
وهكذا وعظها أبوها، وحضها على أن تعاشر النبي صلى الله عليه وسلم بالمعروف.