للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[أسس اختيار الزوجة الصالحة]

إن الحمد لله تعالى، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله تعالى من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهد الله تعالى فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} [آل عمران:١٠٢].

{يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا} [النساء:١].

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا} [الأحزاب:٧٠ - ٧١].

أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وأحسن الهدي هدي محمد صلى الله عليه وآله وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.

فإن أجل غراس هو غراس الإنسان، قال الله تعالى: {وَاللَّهُ أَنْبَتَكُمْ مِنَ الأَرْضِ نَبَاتًا} [نوح:١٧]، فهذا هو أجل غراس يغرسه الإنسان في حياته، ومعلوم أن الزرع لا يستغني عنه الإنسان في حياته، والزرع لا يطيب إلا بثلاثة أشياء: بخصوبة الأرض، وعذوبة الماء، ومهارة الأيدي العاملة، فخصوبة الأرض بالنسبة للإنسان هو أن يختار الرجل أم ولده، فإن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: (تخيروا لنطفكم)، لا تضع نطفتك إلا في أرض صالحة، فإذا ضممنا هذا مع الثنتين الأخريين؛ فهذا هو الطريق إلى جيل التمكين.

إن أجل غراس هو الإنسان، ولذلك قرن الله عز وجل بين مراحل خلق الإنسان وبين الزرع؛ لتعتبر بما شاهدته على ما لم تشاهده: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِنَ الْبَعْثِ فَإِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ مِنْ مُضْغَةٍ مُخَلَّقَةٍ وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ لِنُبَيِّنَ لَكُمْ وَنُقِرُّ فِي الأَرْحَامِ مَا نَشَاءُ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى ثُمَّ نُخْرِجُكُمْ طِفْلًا ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ وَمِنْكُمْ مَنْ يُتَوَفَّى وَمِنْكُمْ مَنْ يُرَدُّ إِلَى أَرْذَلِ الْعُمُرِ لِكَيْلا يَعْلَمَ مِنْ بَعْدِ عِلْمٍ شَيْئًا} [الحج:٥]، هذا هو غراس الإنسان {وَتَرَى الأَرْضَ هَامِدَةً فَإِذَا أَنزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ وَأَنْبَتَتْ مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ * ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّهُ يُحْيِ الْمَوْتَى وَأَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} [الحج:٥ - ٦]، {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنَّكَ تَرَى الأَرْضَ خَاشِعَةً فَإِذَا أَنزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ إِنَّ الَّذِي أَحْيَاهَا لَمُحْيِ الْمَوْتَى إِنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} [فصلت:٣٩].

فهذا قران ما بين خلق الإنسان وما بين الزرع، فأنت أيها الرجل زرعت الزرع ولاحظت نموه، واشتريت الأرض الخصبة بأغلى الأثمان، ورغبت عن الأرض التي لا تخرج الزرع، هذا كله مشاهد، وأنت ترتكبه، فكيف عندما جاء أجل الغراس أهملت خصوبة الأرض؟! إن المقصود الأعظم من الزواج هو: الذرية، وكل شيءٍ يأتي بعد ذلك.

روى ابن أبي الدنيا في كتاب العيال عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: (إني لأكره نفسي على الجماع رجاء أن يخرج الله من صلبي نسمة توحده)، فهذا هو المقصود الأعظم: بقاء النسل لاستمرار العبودية.

تقوم البيوت في الأصل على عبودية الله عز وجل، ويدل على ذلك قول الله تبارك وتعالى: {فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ} [البقرة:٢٣٠] المرأة التي طُلّقت طلاقاً بائناً لا تحل لزوجها حتى تنكح رجلاً آخر، فإذا نكحت رجلاً آخر نكاحاً شرعياً كاملاً، ثم طلقها الرجل الآخر، وأرادت أن ترجع إلى زوجها الأول، قال تبارك وتعالى: {فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يَتَرَاجَعَا إِنْ ظَنَّا أَنْ يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ} [البقرة:٢٣٠] فهذا أولى من أن تقول المرأة: أرجع إلى زوجي الأول رعاية للأولاد لا، إذا كانت سترجع إلى زوجها الأول رعاية للأولاد ولا ترعى حدود الله فلا ترجع، فمراعاة حدود الله عز وجل أولى وأهم من رعاية حقوق الأولاد.

فأنت أيها الرجل: إذا رغبت في النساء فارغب بهذه النية، لأن النية تسبق الذرية، ولذلك وضع الله عز وجل أصولاً لطلب المرأة.