[الهجر بين المشروع والممنوع]
إن الحمد لله تعالى، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله تعالى من شرور أنفسنا، وسيئات أعمالنا، من يهد الله تعالى فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.
أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وأحسن الهدي هدي محمد صلى الله عليه وآله وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.
اللهم صلّ على محمد وعلى آل محمد، كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم في العالمين إنك حميد مجيد، وبارك على محمد وعلى آل محمد، كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم في العالمين إنك حميد مجيد.
يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (لا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاثة أيام، يلتقيان فيعرض هذا ويعرض هذا، وخيرهما الذي يبدأ بالسلام) فهذا الحديث صحيح الدلالة في عدم جواز هجر المسلم أخاه فوق ثلاث.
وقد جاء في حديث كعب بن مالك: (أن المسلمين هجروهم خمسين ليلة) والتوفيق بين حديث كعب وبين هذا الحديث: أن الهجر إذا كان لسبب شرعي يجوز أن يستمر إلى مدة طويلة أما إذا كان الخصام على شيء دنيوي فلا يجوز أن يتجاوز ثلاثة أيام.
هذا هو التوفيق بين الحديثين، والتفصيل القادم سيوضح المسألة أكثر.
قلنا: إن الهجر إذا كان لسبب شرعي فيجوز أن يطول، كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم مع كعب ورفيقيه؛ لأنهم تخلفوا عن الجهاد، والجهاد آنذاك كان فرض عين لا يحل لمسلم أن يتخلف عنه، ولا يسقط إلا بعذر، كما هو شأن سائر الواجبات، فلا تسقط الواجبات إلا بعذر مانع.
ويجب على كل من يستطيع الجهاد أن ينفر مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فهم ارتكبوا شيئاً محرماً، والرسول صلى الله عليه وسلم إمعاناً منه في تأديبهم هجرهم خمسين ليلة.
وأيضاً السيدة زينب رضي الله عنها كان معها أكثر من راحلة فعطب بعير صفية رضي الله عنها، فقال النبي صلى الله عليه وسلم لـ زينب: (أعطيها بعيراً من عندك تركبه، فقالت: أنا أعطي تلك اليهودية! فهجرها أربعين ليلة) وهذا هجر فوق ثلاثة أيام.
فالهجر للدين يستمر إلى أن يقلع المهجور عن الشيء الذي من أجله هجرته.
فلا يلتبس في الأمر، والهجر بسبب الدنيا ثلاثة أيام فقط.
ويحمل أيضاً قوله صلى الله عليه وسلم: (من هجر أخاه سنة فكأنما سفك دمه) على الهجر الدنيوي، وليس الهجر الشرعي، أي: إذا كان لا يحل له أن يزيد عن ثلاثة أيام فزاد إلى سنة على شيء دنيوي تافه اختلف مع أخيه فيه، فكأنما سفك دمه، وهذا تعظيم للهجر بغير مسوغ.