الصحابة رضوان الله عليهم عندما نهاهم الرسول صلى الله عليه وسلم عن الكلام مع كعب وصاحبيه انتهوا جميعاً، فإن قال قائل: في نفس حديث كعب بن مالك، لما جاء نبطي من أهل الشام يقول:(أين كعب بن مالك؟ قال: فطفقوا يشيرون إليَّ) والإشارة هنا بمنزلة الكلام، فكيف ساغ لهم أن يشيروا إليه وقد نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن كلامهم؟! فيقال: نعم إن الإشارة بمنزلة الكلام لكنها ليست كلاماً، وقال صلى الله عليه وسلم:(الخالة بمنزلة الأم) فهل يستوي عقوقك لأمك مع عقوقك لخالتك؟ لا يستويان.
وأنا أريد أن أجلي هذه الشبهة؛ لأنه قد يخطر ببال إنسان أن يقول: إذا كانت الإشارة بمنزلة الكلام، فكيف أشاروا إليه؟ وقد تقول: الإشارة يتحصل منها ما يتحصل من الكلام، وهو الإفهام، لأن المطلوب من الكلام هو الإفهام.
فأقول: يوضح ما ذكرته أنها وإن كانت بمنزلة الكلام لكنها ليست كلاماً، أنك لو دخلت المسجد فوجدت رجلاً يصلي، فيستحب لك -إذا كانت هذه السنة معروفة في البلد، ولن تقابل بالإنكار- أن تسلم على المصلي، وتقول: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وهو يرد السلام عليك إشارة بصفحة اليد.
فهل يستويان؟ لا؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم عندما كان الصحابة يسلمون عليه بعد نزول قوله تعالى:{وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ}[البقرة:٢٣٨] منع من الكلام في الصلاة، وكان يرفع يده ويشير إشارة، وقد كان الصحابة يتكلمون في الصلاة، قبل أن ينزل قوله تعالى:{وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ}[البقرة:٢٣٨] ومشهور حديث ابن مسعود عندما هاجر إلى الحبشة، وقبل أن يهاجر كانوا يتكلمون في الصلاة، فبعدما هاجر نزل قوله تعالى:{وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ}[البقرة:٢٣٨] فلما رجع سلم على النبي صلى الله عليه وسلم وهو يصلي، فلم يرد عليه، قال ابن مسعود:(فركبني غم! فلما قضى الرسول صلى الله عليه وسلم صلاته قال: يا ابن مسعود! إن الله يحدث من أمره ما يشاء، ومما أحدث: أن لا تكلموا في الصلاة)، فالكلام الممنوع هو الذي يكون بحرف وصوت، ولا يسمى كلاماً إلا إذا كان بحرف وصوت؛ لأنه قد يكون بصوت دون حرف، فكيف إذا لم يكن بحرف ولا بصوت الذي هو الإشارة؟! فلو كانت الإشارة كلاماً لبطلت صلاة الذي يشير في أثناء الصلاة إذاً: فالصحابة لما أشاروا على كعب بن مالك، لم يخالفوا أمر الرسول صلى الله عليه وسلم، وسنتعرض أيضاً لقول أبي قتادة عندما قال لـ كعب:(الله ورسوله أعلم) حين نأتي على موضعه.
الصحابة رضوان الله عليهم كانوا أسرع الناس مبادرة إلى تنفيذ أمر الرسول صلى الله عليه وسلم، فلما نهى عن كلام هؤلاء الثلاثة امتثل الكل ولم يخالف أحد، ولا يتصور أحدكم أن انتهاء الصحابة كان بسبب خوفهم أن ينزل وحي فقط، حاشاهم! أن يكون الوحي أحد الأسباب الحاملة لهم على أن يلتزموا بشدة، ولكنهم كانوا إذا سمعوا قول قول النبي صلى الله عليه وسلم يتبادرونه جميعاً.