[الصنف الثاني: صاحب العلم فقط]
قال في الحديث: (ورجل آتاه الله علماً ولم يؤته مالاً، فهو صادق النية -هكذا عند الترمذي - يقول: لو أن لي كفلان لعملت بعمله؛ فهو ونيته).
(هو ونيته) ترجمة هاتين الكلمتين في حديث النبي عليه الصلاة والسلام: (إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى، فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله فهجرته إلى الله ورسوله، ومن كانت هجرته إلى دنيا يصيبها أو امرأة ينكحها فهجرته إلى ما هاجر إليه) فالنية عبادة مستقلة لا تفتقر إلى غيرها، وكل العبادات تفتقر إلى النية، وانظر إلى الرجل الثاني كيف وصل إلى مرتبة الأول! لتعلم جلالة النية وخطورتها.
إنما ضيعنا على أنفسنا كثيراً من العبادات والأعمال المباحات بعدم عقد النية، انظر إلى ما يقول الحديث: (إنما الأعمال بالنيات -يعني: لا عمل إلا بنية- وإنما لكل امرئ ما نوى -ثم ذكر النيتين- فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله؛ فهجرته إلى الله ورسوله) التكرار علامة التعظيم والإكبار؛ هذه هي طبيعة التكرار.
والتكرار إما أن يكون للتأسيس أو التوكيد، فهذا تعظيم وتفخيم: (فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله -لم يقل: فهجرته إليهما، إنما قال:- فهجرته إلى الله ورسوله) كقول الله تبارك وتعالى: {قَالُوا فَمَا جَزَاؤُهُ إِنْ كُنتُمْ كَاذِبِينَ} [يوسف:٧٤] * {قَالُوا جَزَاؤُهُ مَنْ وُجِدَ فِي رَحْلِهِ فَهُوَ جَزَاؤُهُ} [يوسف:٧٥] هذا أعظم من تعيين العقوبة، لو قالوا: جزاؤه من وجد في رحله أن يجلد؛ لكان أقل، إنما: {قَالُوا جَزَاؤُهُ مَنْ وُجِدَ فِي رَحْلِهِ فَهُوَ جَزَاؤُهُ} [يوسف:٧٥] يعني الذي يخطر على بالكم افعلوه، إذاً هذا أبلغ للعقوبة من أن يعين عقوبة.
وكذلك قول الله عز وجل: {وَمَنْ يُهَاجِرْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يَجِدْ فِي الأَرْضِ مُرَاغَمًا كَثِيرًا وَسَعَةً وَمَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ مُهَاجِرًا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ} [النساء:١٠٠] هذا أعظم من تعيين الأجر كأن يقول: له الجنة، له الفردوس الأعلى، له كذا وكذا لا، طالما وقع أجره على الله، فتخيل أنت كيف يكون الأجر! فهنا تعظيم الهجرة إلى الله ورسوله، بخلاف الشطر الثاني: (ومن كانت هجرته إلى دنيا يصيبها أو امرأة ينكحها) ما قال: فهجرته إلى دنيا يصيبها أو امرأة ينكحها، إنما أضمر وأجمل، والإجمال تحقير.
وتأمل هنا: (فمن كانت هجرته إلى دنيا يصيبها أو امرأة) والمرأة من الدنيا، فكان كافياً أن يقول: فمن كانت هجرته إلى دنيا يصيبها فهجرته إلى ما هاجر إليه، فأفرد ذكر المرأة للاهتمام بها والإشعار بفتنتها وخطورتها.
ألم يقل النبي عليه الصلاة والسلام: (ما تركت بعدي فتنة أضر على الرجال من النساء) (أضر: أفعل تفضيل، أعظم فتنة يبتلى بها الرجل المرأة، تجد الرجل الضخم يصير صغيراً جداً أمام المرأة! ربنا سبحانه وتعالى قال هكذا، قال يوسف عليه السلام: {وَإِلَّا تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ} [يوسف:٣٣] من الصبوة، أي: يصير كالصبي، وكم من أملاك الناس انتقلت إلى النساء في لحظات إقبال الرجل على شهوته، فبينما هو في أوج شهوته تقول له: وقّع، فيوقع على كل شيء، ويعمل أي شيء، وينفذ كل طلباتها، والرسول عليه الصلاة والسلام قال: (يا معشر النساء! ما رأيت أذهب للب الرجل الحازم منكن!).
إذا رأيت الرجل خارج البيت وجلست معه تقول: هذا الرجل لو أن عقله وزع على أمة من المجانين لصاروا عقلاء، لكن هذا العقل الكبير يتوارى أمام المرأة! لذلك كانت فتنة النساء فتنة عظيمة ولا يعصمك منها إلا الله.
يوسف عليه السلام نبي عريق النسب، النبي عليه الصلاة والسلام سئل عن يوسف فقال: (هو الكريم ابن الكريم ابن الكريم ابن الكريم: يوسف بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم) من مثله؟! فلو جاز لإنسان أن يعصم من الدنايا لعراقة نسبه لعصم يوسف عليه السلام، ومع ذلك قال لله عز وجل: {وَإِلَّا تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ وَأَكُنْ مِنَ الْجَاهِلِينَ} [يوسف:٣٣] إنها فتنة عظيمة! لذلك كل المؤتمرات التي تعقد باسم التنمية والبيئة المقصود بها النساء: مؤتمر السكان، مؤتمر الغذاء، مؤتمر الكساء، أي مؤتمر تجد المرأة لها نصف جدول الأعمال في ذلك المؤتمر.
مؤتمر السكان كان المقصود به إفساد المرأة، لأنهم خرجوا من المؤتمر بثلاثة أشياء: الشيء الأول: الدعوة إلى الاختلاط في الدراسة.
بعض المدارس هنا في القاهرة كانت تفصل بين الجنسين، والآن بدأت تفتح باب الاختلاط بدعوى أن الميزانية انتهت.
لذلك نجد الاختلاط من الابتدائي إلى الجامعة، الوالد بجانب البنت، وهذا الاختلاط يكون نتيجته ظهور الفواحش.
إن الزنا لا يكون إلا برضا المرأة، تسعمائة وتسعة وتسعين امرأة من الألف تجد المرأة هي المسئولة عن الزنا، وامرأة واحدة من الألف تغتصب، ولذلك ربنا سبحانه وتعالى لما ذكر الزناة قال: {الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي} [النور:٢].
ممكن البنت تكون متربية في بيئة نظيفة، فحتى مع هذا الاختلاط لا يصل الولد إليها، فقالوا: لابد إذاً من عامل مساعد حتى تتم الفاحشة، ما هو العامل المساعد؟ تجريم الختان!! ظهر التقرير الرسمي في الصحف أنها عادة جاهلية لا تمت إلى الإسلام بصلة، كأنهم يخاطبون الصم البكم العمي، افتح أي كتاب فقه صغيراً أو كبيراً ففيه الحديث عن سنن الفطرة، تجد الختان مذكوراً، افتح أبواب الطهارات والغسل تجد حديث النبي صلى الله عليه وسلم: (إذا التقى الختانان فقد وجب الغسل) وما زال إلى الآن في الأزهر ومناهجه تدرس الختان، كيف تأتي وتقول: عادة جاهلية؟!! هذا الرجل يتهم خمسة عشر قرناً بمن فيه من المسلمين بارتكاب العادة الجاهلية! إذاً: ما هي الأدلة؟ قال: بنات الرسول عليه الصلاة والسلام لم يختتن.
فهل عندك دليل أنهن لم يختتن؟ لا لم يرد دليل.
إذاً لم يختتن كيف؟!.
أنت يا رجل تدعي دعوى، أين الدليل على أن بنات النبي صلى الله عليه وسلم لم يختتن؟ يعني بنت أبي جهل تختتن وابنة الرسول لا تختتن.
وآخر يقول لي: وأنت ما أدراك أن بنت أبي جهل اختتنت؟ أقول لك: إن الختان كان عادة فاشية في العرب، هذا هو الأصل في البيئة العربية، فهل اليهود يختتنون والمسلمون لا يختتنون؟! كان العرب يختتنون، وكان العرب عندهم إذا أراد أحدهم أن يسب الآخر يقول له: يا ابن القلفاء.
والقلفاء: هي المرأة التي لم تختتن.
والمرأة إذا لم تختتن تكون كثيرة الحنين للرجال، فكأنه لما شتمه قال: يا ابن المرأة الكثيرة الحنين إلى الرجال، أي: غير عفيفة.
فإذا كان هذا الخلق فاشياً عند العرب فلماذا بنات الرسول عليه الصلاة والسلام هن اللاتي يستثنين دون نساء العرب؟ انظر كيف يتهم الرسول!! ويهون عليهم أن يرموا بناته بمحاربة الاختتان، من أجل أن يصل إلى قضية! أراد أن يبني قصراً فهدم مصراً! والراجح في المسألة: وجوب اختتان المرأة وليس استحباب ختان المرأة، ولا يوجد دليل صارف عن الوجوب إلا حديث منكر في مسند الإمام أحمد، ويتضح من لفظ الحديث وسياقه أن عليه صنعة الفقهاء، كأنه فتوى، والرجل المجرب لحديث الرسول عليه الصلاة والسلام يقول: هذا ليس من كلام الرسول عليه الصلاة والسلام، والحديث يقول (الختان سنة للرجال، مكرمة للنساء) هل هذا شكله حديث؟! وسند الحديث ضعيف، وهو منكر.
وآخر يقول: إذاً ما دعواك على وجوب الختان، وأن المرأة إذا لم تختتن فهي آثمة؟ الدليل قول الله عز وجل: {ثُمَّ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ أَنِ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا} [النحل:١٢٣].
حسناً! ما هو وجه الاستدلال في الآية؟ نقول: إن هذه الآية لما يضم لها قول النبي عليه الصلاة والسلام في صحيح البخاري: (اختتن إبراهيم عليه السلام وهو ابن ثمانين سنة بالقدوم) (على قولين: قالوا: إنه اسم المكان الذي اختتن فيه.
لكن الراجح أنه اسم الآلة التي قطع بها الجلدة التي تواري الحشفة.
إذاً اختتن إبراهيم عليه السلام بالقدوم، وقد أمرنا أن نتبع ملة إبراهيم وجوباً، إذاً يجب علينا أن نختتن.
لكن يأتي آخر ويقول لك: الكلام هذا للرجال، ما الذي جعلك تدخل النساء فيه؟ نقول: إن كل الأدلة الشرعية إذا قيلت؛ فإنه يقصد بها الرجال والنساء معاً، حتى يأتي دليل على تخصيص فئة دون فئة، هذا هو الأصل في الأدلة (مثل قوله عليه الصلاة والسلام: صلوا كما رأيتموني أصلي) للرجال والنساء، (: خذوا عني مناسككم) للرجال والنساء، (: من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد) للرجال والنساء، كل دليل من القرآن والسنة فالأصل فيه قصد الرجال والنساء إلا أن يأتي دليل يخصص الرجال عن النساء.
فهل ورد دليل يخصص الرجال عن النساء في هذا؟ أبداً، لم يرد دليل صارف، إذاً بقي الأمر على الوجوب، وهذه فتوى الشافعي، بل جماهير الشافعية على أن الختان واجب.
فلما يأتي آتٍ فيقول: لا يوجد الختان في دين الله.
ينبغي أن يعاقب؛ لأن إخرج الحق من الدين مثل إدخال الباطل فيه.
والرسول عليه الصلاة والسلام لما قال: (إذا التقى الختانان) قال الإمام أحمد: لما قرأت هذا الحديث استدليت به على مشروعية ختان المرأة، أي: إذا التقى فرج الرجل مع فرج المرأة، هذا اختتن وهذا اختتن فقيل: الختانان.
ثم إن الختان من سنن الفطرة، وسنن الفطرة هي القدر الثابت في كل الشرائع الذي لا يتبدل، ولهذا كانت اللحية على قول من صحح الحديث من سنن الفطرة.
فقال: إذاً نحن لما نجرم الختان، فهذا يكون عاملاً مساعداً لتهيج المرأة حتى لو كانت عفيفة، فتطلب رجلاً، هذا ثانياً.
ثالثاً: حسناً إذا هيجناهم ووقعوا في