[جزاء من يسب الله ورسوله]
هذا هو جزاء من يهجو رسول الله؛ لأن الله عز وجل ناصر لرسوله ودينه، فلو سبوه فإن الله متم نوره، ولو مدحوه فإن الله متم نوره، لكن من ينكث فإنما ينكث على نفسه.
إن هذا الرجل قد آذى الله ورسوله، فانتدب له رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلة من الأوفياء لله ورسوله.
إن مسألة الانتماء مسألة مهمة جداً، ولتكن نقطة الانطلاق والبدء هذا الحادث الأليم المفزع الذي ملأنا بالغيظ، وإن من علامات الانتماء: الغيرة أن يغار له وعليه.
كان الولد يقتل أباه، والوالد يقتل ولده، كل هذا لأنهم ما كانوا يعرفون غير الإسلام أباً لهم.
في صحيح ابن حبان أن النبي صلى الله عليه وسلم مر على أجمة فيها عبد الله بن أبي ابن سلول -والأجمة: المكان المرتفع من الأشجار- فـ ابن سلول أول ما رأى النبي صلى الله عليه وسلم سبه وقال: لقد غبر علينا ابن أبي كبشة.
يعني: الرسول عليه الصلاة والسلام، وأبو كبشة هو جد النبي صلى الله عليه وسلم لأمه -كما يقول ابن حبان - والعرب كانوا إذا انتقصوا رجلاً نسبوه إلى جد غامضٍ؛ لأنهم كانوا يفتخرون بالأنساب والأحساب، فعندما ينسبونه إلى جدٍ لا يعرف فكأنهم قد مزقوه، ومعي: (غبر علنيا): ضيع علينا الدنيا وأخذ منا السلطان، فسمع هذه الكلمة ابنه عبد الله، فهو عبد الله بن عبد الله بن أبي ابن سلول، فذهب إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال له: (والذي بعثك بالحق لئن شئت لآتينك بعنقه)، مع أنه أبوه! وانظر الآن إلى هذه النماذج: الأب يكفر ويسب دين الله عز وجل ليل نهار، ويصد عن سبيل الله عز وجل، والولد يخدمه فيما يريد من المعاصي، فإذا قلت له: لماذا تعمل هكذا يا بني؟! قال لك: إن أبي عنده مرض السكر والضغط، ولو أني تركت البيت ومشيت فسوف يموت مباشرة فليمت يا أخي!! ليستريح منه العباد والبلاد، إن الرسول عليه الصلاة والسلام يقول: (إن العبد الفاجر إذا مات استراح منه البلاد والعباد، والشجر والدواب)، وهو في الصحيح.
فهو عبدٌ مكروه كل شيء يكرهه، حتى الدواب تكرهه، فهو غير جدير بالحياة؛ لأنه فهو يسب الله وهو يرتع في خيره، ويصرف العبادة إلى غيره، والسب هو أعظم الأذى على الإطلاق.
إن الصحابة ما كان يخطر ببالهم عشر معشار ما يفعله الجيل الآن، ما كان الأب يتردد أبداً في قتل الولد إذا كان عدواً لله ورسوله، مثلما حدث بين أبي بكر وابنٍ له، فبعدما أسلم ابنه قال له: لقد رأيتك في موقعة كذا في غزاة كذا وكنت إذا رأيتك اجتنبتك خشية أن يسبق سيفي إليك فأقتلك، فقال: أبو بكر: والله لو رأيتك لقتلتك لماذا؟ لأن الولاء والانتماء الأول هو لله ورسوله، ويأتي بعد ذلك أي ولاء وانتماء، فنحن نحب المؤمن لحبه لله عز وجل، ولحبه للنبي عليه الصلاة والسلام، لا نحب المؤمن لأنه جلد وعظم ولحم؛ لأنه لا فرق بينه وبين الكافر من هذه الحيثية، لكن كلما كان محباً لله عز وجل ولرسوله صلى الله عليه وسلم فإننا نواليه بقدر ما فيه من حب، ونعاديه بقدر ما فيه من جفاء وضعف، وهكذا كان الصحابة الأوائل.
إننا نهيج بهذه الحكايات والقصص نفوس المسلمين، الذين يعانون من هذه المحنة العظيمة والفاقرة الشديدة والداهية الدهياء، وهي أن يسب النبي صلى الله عليه وسلم ونحن نروح ونغدو، ونأكل ونشرب، ونتمتع مع الأولاد والنساء وكأن الأمر لا يعنينا!! لو حصل عشر معشار هذا في زمان أي خليفة من الخلفاء، والله لما أرضاهم إلا أن يستلبوا بلاد عدوهم كلها، فسبّ النبي عليه الصلاة والسلام هو أعظم حدث.
إننا نعرف أنهم يسبون النبي عليه الصلاة والسلام، ويسخرون منه؛ لكن أن يصرحوا بهذا، ثم يقومون بكتابة اسمه بالخط الفارسي الفصيح، وهو يرسم قرآناً ويمسك بالقلم ويكتب، وتوضع على المحلات المسلمة كلها، فيصبحون ويجدونها معلقة على أبواب محلاتهم، وتصور وكالات الأنباء هذا الحادث وتنشره بكل جرأة ووقاحة!! وكما هو متوقع وفي نفس اليوم اعتذر الرئيس الإسرائيلي، ولم نر أحداً من قادة العرب شجب واستنكر.
وقالوا: مثلما قالوا في ذلك الرجل الذي قتل مائة في الحرم الإبراهيمي أن عقله مختل! وماذا سنفعل؟ ولكن سنأخذه ونضعه في مستشفى الأمراض النفسية، وانتهت القضية، وذهبت دماء الناس في الحرم الإبراهيمي هدراً!! وكذلك هذه الرسوم: البنت صغيرة وتذهب ولا ردة فعل وانظر في المذكرات التي ينشرها القادة العسكريون، يقولون: بعد حرب (٧٣) كان من ملامح هذه الحرب دشن الطائرات، وكانوا يصبون قنابل، وأطنان الذخائر ولا تؤثر، فأين هذه الطائرات وأين تختبئ؟! فهم يريدون أن يعرفوا دشن هذه الطائرات وكيف بنيت، والكلام هذا منشور.
فقالوا: إن هناك واحد من العملاء في أحد المطارات يستطيع أن يعرف هذه الدشنة وشكلها، فدخل ورأى الدشن؛ لأنه كان يعمل في ورشة طائرات، فأراد أن يعرف بكم طن أو بكم كيلو من الممكن أن تفجر هذه الدشنة، فأتى برقم معين لا يمكن لدشنة أن تصمد أمامه، ولتمام الدور أتوا برجل من بلده إلى هنا على أنه يعاني من اكتئاب من يوم أن ماتت أمه أو من يوم أن ماتت أخته وهو يكلم نفسه ويهذي، وكل هذا من أجل إذا عمل العملية يقولون لقد كان مكتئباً، ونحن لم نقصد، فأتى بقدر معين من الذخائر لا يمكن لدشنة أن تصمد أمامه، وفجرها، وكان تفجيراً رهيباً.
فلو وضع مثلاً ثلاثمائة كيلو في هذه العملية ولم تفجرها سوف يضعون مثلاً ستمائة؛ لأنه سيرى الخسائر المبدئية في الدشنة، فلو رأينا أن ستمائة كيلو مثلاً دمرت تسعين بالمائة أو سبعين بالمائة من الدشنة، إذاً إذا أرادوا الضرب سيضعون ستمائة أو تسعمائة أو ألف.
وفي الأخير يخرج الولد وهو مكتئب إلخ، ويأتي فريق طبي من أكبر الأطباء الذين لا يخطر على البال أن يكذبوا، فيخدمون مخابرات بلادهم ويقولون لك: إن الولد عقله مختل، والحمد لله أنه لم يحرق المطار كله.
فهكذا تطلع البنت صغيرة، وامسحوها فيّ هذه المرة!! وكذلك الولد الذي قتل المائة في الحرم الإبراهيمي هو مجنون وامسحوها فينا هذه المرة!! وهكذا.
لقد أسمعت لو ناديت حياً ولكن لا حياة لمن تنادي ولو ناراً نفخت بها أضاءت ولكن أنت تنفخ في رماد أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم لي ولكم.
وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد، والحمد لله رب العالمين.