[ظهور الكذب والخداع في مسلمي هذا العصر]
هذا الرجل لما قال له: (كفى بالله شهيداً، كفى بالله وكيلاً، قال: صدقت، وقال له في الثانية: سبحان الله! نعم.
-أي: كفى بالله شهيداً- خذ الألف دينار).
التزامك بآداب دينك يريحك ويريح الطرف الآخر.
أخذ الرجل الألف دينار وانطلق يعمل بها في البحر، وربح فيها، وجاء موعد قضاء الدين، فأخذ الألف دينار وانتظر على الشاطئ لعله أن يجد مركباً فلم يجد، لقوة الرياح وعلو الموج، وتوقُّف حركة الملاحة، فماذا يفعل؟ وهو يتحرق شوقاً أن يرد هذا المال في موعده؟ بقدر ما يكون لك من الإخلاص يكون الله معك.
يؤسفني أن أقول: إن كثيراً من المسلمين ضربوا المثل الأسوأ في المعاملات بكل أسف في التلاعب والضحك، ولا أدري على مَن يضحكون، ومَن يخدعون، ذهب أحدهم إلى رجل فأخبره أنه مقبل على عمل شركة تجارية، وأن أرباحها كبيرة، وأن السوق فارغ ويحتاج إلى هذه البضاعة، فإذا كان معك مال فهات المال نتاجر وأوهم المسكين، فذهب الآخر وباع ذهب المرأة واقترض، لأن هذا لم يكن عنده مال؛ لكن اقترض من آخرين أموالاً وذهب ووضع المال كله في يد هذا الرجل، فأخذ ذلك المال وأنفقه، وهو يعلم أن أخاه اقترض جزءاً كبيراً من هذا المال، والعجيب أن نفسه طابت بذلك! وأنه لم يشعر بإثم ولا وزر، ولم يشعر بوخز في ضميره وهو يأخذ هذا المال! ومضت أيام وشهور وسنون.
فقال له: أين التجارة؟ فقال: غداً! غداً! وحدثت مشكلة كبيرة مع أهل المرأة، وقالوا لها: أين ذهبك؟ لماذا أعطيتيه الزوج؟ نحن كنا أحق بهذا المال، ألم نطلب منك الذهب يوم كذا وكذا فأبيتي؟ وصارت قطيعة بين المرأة وبين أهلها.
فلما علم الرجل أنه لا تجارة.
قال لصاحبه: أعطني المال.
فقال له: لا أملك شيئاً.
فقال له: ما هو الحل؟ قال: أقسط لك المبلغ.
وهكذا ضاع المبلغ؛ لأنك عندما تأخذ عشرين جنيهاً، ثم ثلاثين، ثم خمسين، فإن المبلغ سيضيع، لكن إذا أخذته جملة واحدة فإنك ستقضي دينك، وتعيد الذهب لزوجتك.
يكاد المرء يعتصر من الحزن وهو يرى هذه المعاملات الهشة الكاذبة الخادعة! وبعد ذلك يسألون: لِمَ يتخلف نصر الله؟ لماذا نحن نعيش على هامش الحياة، لا قيمة للمسلمين؟ ولماذا أرخص دم في العالم دمهم؟ يتساءلون كل هذه الأسئلة.
فأقول: منكم أنتم جاء الخلل: {إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ} [الرعد:١١] فالله ليس بظلام للعبيد، {إِنَّ اللَّهَ لا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا وَيُؤْتِ مِنْ لَدُنْهُ أَجْراً عَظِيماً} [النساء:٤٠].
ومن يك ذا فم مر مريض يجد مراً به الماء الزلالا لا تقل: إن الماء مر، لأن فمك هو المر.
بقدر ما يكون لك من الإخلاص والثبات، والوفاء بالوعد، والحفاظ على أموال الناس ومشاعرهم بقدر ما يعينك الله على ذلك، وبقدر ما يحتوي قلبك من الغل والغش والخداع بقدر ما يبتعد عنك تأييد الله ونصره.