[حكم لبس النقاب]
السؤال
هل النقاب فرض أم سنة مؤكدة، وإذا كان فرضاً فنرجو أن تذكر بعض الأدلة؟ ولماذا اختلف العلماء فيه مع أن الفرض لا يختلف فيه؟ وإذا كان سنة مؤكدة فهل علي إثم إذا ارتديته ثم خلعته؟
الجواب
بالنسبة للنقاب للعلماء فيه قولان: القول الأول: باستحباب النقاب، وهذا القول معناه: جواز كشف الوجه.
والقول الآخر: بوجوب ستر الوجه، وهذا معناه: وجوب النقاب.
وأنا لا أريد أن أقف طويلاً على هذين القولين، لكن أقف على ما هو أهم، وهو ما ورد في سؤال السائل: إذا كان فرضاً لماذا اختلفوا فيه؟ فنقول: إن الأدلة إما أن تأتي بالأمر المباشر المجرد، ولا يكون هناك صارف، فهذا لا خلاف بين جماهير العلماء على أنه يفيد الوجوب.
والخطاب من فوق إلى تحت: فيه الأمر الذي يفيد الحتم والإلزام.
والخطاب: من تحت إلى فوق: طبيعته التوسل.
والخطاب من الند إلى الند: مطلق الطلب.
مثلاً: إذا قال الرئيس لأحد مرءوسيه: لا تخرج من هذا الباب واخرج من ذاك، أو قال له: اخرج من هنا.
فهذا فعل أمر، فإذا خالف المرءوس وقال: أنا فهمت من كلامك أن أخرج من أي باب أحب.
إذاً: ضيع الأمر.
ولو قلت لابنك: ذاكر! فقال لك: (ذاكر) هذه أنا أفهمها ذاكر أو العب أنت حر إذاً: ضيع الأمر.
فطبيعة الأمر من فوق إلى تحت أنه يفيد الحتم والإلزام؛ لأنه فوق، وهناك هيمنة وسلطة.
وطبيعة الأمر من تحت إلى فوق تفيد التوسل، فأنت مثلاً إذا دعوت الله عز وجل فقلت: (رب اغفر لي).
(اغفر) فعل أمر، هل أنت تأمره أن يغفر لك أم تتوسل إليه؟! هذا توسل، فلما تقول: (رب اغفر لي، رب ارزقني، رب اجبرني، رب عافني) كل هذه أفعال أمر لكنها تفيد التوسل.
وإذا كان لك نظير وند فطلبت منه شيئاً؛ فيكون هذا على سبيل الطلب، كما قال علي بن أبي طالب في الأقسام الثلاثة هذه: (أحسن إلى من شئت تكن أميره، واستغن عمن شئت تكن نظيره، واحتج إلى من شئت تكن أسيره).
إذاً أحسن إلى من شئت، ويد المحسن هي العليا.
إذاً: طبيعة الأوامر من الله عز وجل ورسوله صلى الله عليه وسلم تقتضي الإلزام، وأنه لا خيار لك في ترك الفعل، هذا النوع الأول من الأوامر.
والعلماء متفقون على أن هذا النوع يفيد الوجوب ولا خيار لك، لكن إذا جاءك أمر من فوق ألا تفعل، وجاءك أمر من فوق افعل، فثبت الأمران من فوق، يقول العلماء: إن هذا يدل على جواز الفعل أو الترك، فالرسول عليه الصلاة والسلام مثلاً قال لـ عمر: (يا عمر! لا تبل قائماً) إذاً: هذا يدل على النهي عن البول قائماً، ورغم ذلك رآه حذيفة بن اليمان يبول قائماً، فكيف ينهى عن الشيء ويفعل عكسه؟! العلماء قالوا: الفعل هذا يدل على أن النهي لا يفيد التحريم، إنما -ينزل تحت- يفيد الكراهة، إذاً: الجواز لا ينافي الكراهة، إذاً: فعل النبي صلى الله عليه وسلم يدل على الجواز إذا أمن العبد الرذاذ -رذاذ البول- واستدبر الريح واحتاط لنفسه، ولا تبُل قائماً إذا كان المكان صلباً أو الريح تأتي عليه فيخشى أن يأتي عليه الرذاذ إذاً: كل حديث له ظروف وملابسات.
فنحن نقول في مسألة النقاب: وآية الأحزاب ظاهرة في مسألة النقاب: أن المرأة يجب عليها أن تغطي وجهها، لكن وردت أحاديث أخرى فيها ما يدل على أن المرأة كانت كاشفة لوجهها.
فالعلماء الذين قالوا باستحباب تغطية الوجه -يعني: بجواز كشف الوجه واستحباب النقاب- ما قالوها تشهياً من عندهم، إنما صرفوا الوجوب عندهم بدليل، مثل حديث جابر بن عبد الله لما قال: (جاء النبي صلى الله عليه وسلم في يوم العيد وقال: يا معشر النساء! تصدقن؛ فإني رأيتكن أكثر أهل النار.
فقامت امرأة سفعاء الخدين وقالت: لم يا رسول الله؟) إلى آخر الحديث، فقوله: (سفعاء الخدين) يدل على أن خدها كان مكشوفاً، وإلا ما عرف جابر أهي شوهاء أم حسناء.
وكذلك حديث أن الفضل بن العباس كان خلف النبي صلى الله عليه وسلم، وجاءت امرأة عند المنحر تسأله، وكان المرأة وضيئة وكان الفضل كذلك، فجعل الفضل ينظر إليها وتنظر إليه، فيلوي النبي صلى الله عليه وسلم عنق الفضل، فيرجع فينظر، فيلوي عنقه، فيرجع فينظر، فيلوي عنقه، فقال العباس: يا رسول الله! لويت عنق ابن عمك.
قال: (رأيت شاباً وشابة، فلم آمن الشيطان عليهما) إلى آخر هذه الأحاديث.
فالخلاف في هذه المسألة خلاف معتبر، لكن طائفة من العلماء الذين قالوا باستحباب النقاب قالوا: إذا كان الزمان زمن فتنة فيجب عليهما أن تستر وجهها.
إذاً: نحن -نسأل الله عز وجل العافية- في زمان كله فتن، ونتجاوز مثل هذا الأمر ونقول للمرأة: إذا كان هذا يدنيك من الله عز وجل شبراً واحداً فلا ينبغي للمرأة العاقلة أن تقصر فيه، رب حسنة واحدة يحتاج إليها العبد، ويقرع سنه ندماً أنه ما تبسم في وجه أخيه لكان حصل على الحسنة هذه، أو كان أفضى من دلوه في دلو أخيه كان حصل على هذه الحسنة، فنحن في سباق إلى الله تبارك وتعالى، والعاقل هو الذي لا يركن إلى قولهم: مستحب؛ لأن الصحابة رضوان الله عليهم كانوا يبتدرون الأمر.
والله أعلم.