إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلوات ربي وسلامه عليه وعلى آله وأصحابه والتابعين.
أما بعد: فقد ثبت عن حذيفة بن اليمان وعبد الله بن مسعود وغيرهما من الصحابة رضي الله عنهم، أنهم قالوا:(تعلمنا الإيمان ثم تعلمنا القرآن، وإنه يأتي أقوامٌ يتعلمون القرآن، ثم يتعلمون الإيمان) هذا فرق جوهري بين جيل الصحابة وبين كثير من الأجيال التي جاءت من بعدهم، تعلموا الإيمان فلما جاء القرآن يأمر وينهى، وذكر النبي صلى الله عليه وسلم أشياء لا مجال للعقل فيها، قالوا: سمعنا وأطعنا؛ لما كان عندهم من الإيمان السابق للكتاب.
قالوا:(إنه يأتي أقوامٌ يتعلمون القرآن، ثم يتعلمون الإيمان)، كأمثال كثير من الأجيال التي جاءت بعد ذلك، يتعلم القرآن لكنه ما تعلم الإيمان قبل القرآن، فتعرض عليه قضايا في القرآن فلا يسلم بها؛ لأنه لم يتعلم الإيمان أولاً، فصار المسلمون يكذبون بآيات قرآنية، وبعض المسلمين يكذب بأحاديث للرسول عليه الصلاة والسلام.
ومن الفروق بيننا وبين الجيل الأول أنهم قاتلوا على آيات الكتاب، أما نحن فورثنا الكتاب، وهناك فرقٌ واضح بين الذي يقاتل على آيات الكتاب، وبين الذي ورث الكتاب، كما قال تبارك وتعالى وهو يذكر صنيع اليهود، وأنهم حرّفوا وبدلوا، فقال عز وجل:{فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ وَرِثُوا الْكِتَابَ يَأْخُذُونَ عَرَضَ هَذَا الأَدْنَى وَيَقُولُونَ سَيُغْفَرُ لَنَا وَإِنْ يَأْتِهِمْ عَرَضٌ مِثْلُهُ يَأْخُذُوهُ أَلَمْ يُؤْخَذْ عَلَيْهِمْ مِيثَاقُ الْكِتَابِ أَنْ لا يَقُولُوا عَلَى اللَّهِ إِلَّا الْحَقَّ وَدَرَسُوا مَا فِيهِ}[الأعراف:١٦٩]، فهم ورثوا الكتاب، فهناك فرق بين الذي قاتل كالصحابة، وبين الذي ورثه.