[من آداب الاستئذان]
استأذن عمر بن الخطاب رضي الله عنه فقال الغلام: (ذكرتك له فصمت) هذا الغلام اسمه رباح، وكان واقفاً على باب الرسول، واحتج أهل العلم بهذا على جواز أن يتخذ الإمام حاجباً إذا دعت إلى ذلك ضرورة، وأن اتخاذ الحجاب والحراس أمر له أصل في الشرع إذا دعا إلى ذلك داع، وإلا فإنه يجوز للإمام ألا يتخذ حاجباً ولا يتخذ بواباً، وفي هذا أدلة، منها: أن النبي صلى الله عليه وسلم -كما في الصحيحين - مر على امرأة تبكي عند قبر جديد فقال: (يا أمة الله! اتقي الله واصبري.
فقالت: إليك عني، فإنك لم تصب بمصيبتي.
فلما مضى رسول الله صلى الله عليه وسلم وأُخبِرَت المرأة أنه رسول الله فزعت وانطلقت خلفه، فجاءت بيته فلم تجد حاجباً ولا بواباً، فاعتذرت إليه، فقال لها عليه الصلاة والسلام: إنما الصبر عند الصدمة الأولى).
وفي اتخاذ الحاجب والبواب هذا الحديث وحديث آخر، حديث أبي موسى الأشعري رضي الله عنه (أن النبي صلى الله عليه وسلم وكله بباب بستان وقال: لا يدخل أحد.
فجاء أبو بكر فأراد أن يدخل، فقال له: على رسلك، فاستأذن له النبي صلى الله عليه وسلم فأذن له، قال: ائذن له وبشره بالجنة، فأذن له وبشره بالجنة، وكان النبي صلى الله عليه وسلم جالساً على حافة البئر، وقد دلى رجليه في البئر فجاء أبو بكر الصديق وجلس بجانبه ودلى رجليه في البئر.
قال أبو موسى: فقلت في نفسي: إن يرد الله بفلان خيراً يأتِ به، يريد أخاً له -طمعاً أن يقول له أيضاً: بشره بالجنة، فهو يتمنى أن يأتي أخوه في هذه اللحظة حتى يبشر بالجنة- قال: فجاء عمر.
فقلت: على رسلك، واستأذن له، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ائذن له وبشره بالجنة، فأذن له وبشره بالجنة، فجاء عمر فجلس بجانب أبي بكر ودلى رجليه في البئر.
ثم جاء عثمان قال: على رسلك.
فاستأذن له، قال: ائذن له وبشره بالجنة على بلوى تصيبه.
فقال عثمان: الله المستعان.
فدخل عثمان، فلم يجد بجانبهم مكاناً، فجلس في مقابلهم ودلى رجليه في البئر).
قال سعيد بن المسيب رحمه الله: فأولتها (قبورهم)؛ لأن أبا بكر وعمر دفنا بجانب النبي صلى الله عليه وسلم ودفن عثمان في مقابلهم في البقيع.
ففي هذا دليل على جواز أن يتخذ الأمير أو العالم أو الحاكم حاجباً إذا دعت إلى ذلك ضرورة.
وفي قوله: (استأذن لـ عمر) دلالة على استحباب أن يسمي المستأذن نفسه، ما قال له: ائذن لي، -مع أنه معروف- إنما قال: استأذن لـ عمر.
وكان النبي صلى الله عليه وسلم يكره أن يستأذن عليه المستأذن فيقول: أنا.
كما في حديث جابر في صحيح مسلم (أنه استأذن على النبي صلى الله عليه وسلم فقال: من؟ قال: أنا.
قال جابر فسمعته يقول: أنا أنا؟! كأنما كرهها).
قال ابن الجوزي رحمه الله: إنما كره النبي صلى الله عليه وسلم (أنا) لأنها تشعر بالكبر، فكأن قائلها يقول: أنا الذي لا أذكر نسبي، ولا أنسب نفسي لشهرتي.
كأنما قال ذلك فكرهها رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: (استأذن لـ عمر.
قال: فدخل ثم خرج، قال: ذكرتك له فصمت.
فرجع عمر إلى المنبر مرة أخرى).
وللبحث صلة بعد الصلاة إن شاء الله.
اللهم اغفر لنا ذنوبنا، وإسرافنا في أمرنا، وثبت أقدامنا، وانصرنا على القوم الكافرين.
اللهم اجعل الحياة زيادة لنا في كل خير، واجعل الموت راحة لنا من كل شر.
اللهم قنا الفتن ما ظهر منها وما بطن، اللهم لا تجعل الدنيا أكبر همنا، ولا مبلغ علمنا، ولا تجعل مصيبتنا في ديننا، ولا تسلط علينا بذنوبنا من لا يخافك ولا يرحمنا.
رب آت نفوسنا تقواها، وزكها أنت خير من زكاها، أنت وليها ومولاها.
اللهم اغفر لنا هزلنا وجدنا، وخطأنا وعمدنا، وكل ذلك عندنا.