[من أسباب الانتكاس: النظر المحرم]
إنك لا تدري بأي شيء تنتكس، فقد تنتكس بنظرة، كما حدث لـ برطيطة، وقصته عبرة لكل من أراد أن يعتبر، فقد هلك وكفر بالله العظيم بسبب نظرة واحدة فقط.
ذكر أهل التفسير: أن إبليس جمع المردة -وهم أعتى الشياطين وأقواهم إغواءً لبني آدم- فقال: لقد تعبت من برطيطة، فمنذ أربعين سنة وأنا أحاول أن أضله فلا أستطيع، فمن يكفيني أمر هذا؟! فانبرى له مارد يقال له: الأبيض، وكان صاحب الأنبياء، أي: الذي يتبع الأنبياء، فقال: أنا أكفيك، فقال له: انطلق، فانطلق هذا الأبيض ولبس لباس الرهبان وذهب إلى صومعة برطيطة، وكان برطيطة يدخل في الصلاة فما يخرج منها إلا بعد عشرة أيام يصلي باستمرار، وكان يصوم في هذه العشرة الأيام، فعندما ذهب هذا المارد الأبيض نادى برطيطة فلم يلتفت إليه، فكبر وأخذ يصلي، وبعد عشرة أيام عندما خرج برطيطة من الصلاة نظر من الصومعة فإذا رجل له سمت حسن، ولحية جميلة، وعيونه مسبلة، وهو واقف لا يتحرك، فأعجبه سمته، فنادى عليه: من أنت؟ قال: أنا رجل أريد أن أتبعك فأقتبس من علمك، فقال: إني عنك في شغل، ودخل الصومعة وجلس عشرة أيام جديدة، وبعد العشرة الأيام نظر من الصومعة وإذا بالرجل واقف يصلي، فقال له: ماذا تريد؟ قال: أريد أن أتبعك فأقتبس من علمك، فكان برطيطة قد رآه عشرين يوماً يصلي، وهكذا ثم قال له: اصعد، فصعد، فدخلا في سباق العبادة فكان برطيطة يخرج من الصلاة كل عشرة أيام، أما ذلك المارد فقد نوى ألا يخرج من الصلاة أربعين يوماً، فكان برطيطة يصلي عشرة أيام ويسلّم، فيجد هذا ما زال واقفاً لا يتحرك، فيدخل في الصلاة مرة أخرى وهكذا، فاحتقر برطيطة نفسه أمام هذا الرجل وأمام عبادته، فقال له: أنت إذاً الأستاذ، فقال: لا.
أنت الأستاذ، وأنا جئت كي أتعلم منك، قال: لا.
بل أنت أجد وأشد وأعبد إلى آخره.
فقال له المارد: أنا الآن مضطر لأنصرف عنك؛ لأن لي صاحباً آخر مثلك، فسأذهب لكي أعتكف معه عدة أيام، ولكن سأعلمك اسم الله الأعظم الذي إذا دعوت به أُجبت، فقال: لا تعلمني، فأنا في شغل، ولا أريد أن يأتي الناس إليَّ، قال: لابد أن أعلمك، وفعلاً علمه اسماً معيناً، وقال له: هذا اسم الله الأعظم! ثم بدأ الأبيض يصرع الناس، فيذهب إلى رجل فيصرعه فيصبح مريضاً، فيبحث أهله عن طبيب، فيأتي هذا المارد ويلبس لباس الأطباء ويذهب ويقول: أنا طبيب! ثم ينظر إلى المريض، فيقول: هذا مرض خطير ليس له علاج إلا عند شخص يدعى برطيطة، والشيطان يتلبس به ولا يتركه حتى يذهب المريض إلى برطيطة، فأول ما يقول كلمة السر يخرج الشيطان ويتركه مباشرة، ويرجع سليماً.
ثم بدأ الأبيض يصرع الناس واحداً بعد الآخر، ويرشد كل واحد ليذهب إلى برطيطة، فعرف الناس كلهم برطيطة، وانشغل عن العبادة بالمال.
فذهب هذا الأبيض إلى بنت ملك من الملوك وصرعها، وعمل نفسه طبيباً وذهب إليهم، وقال لهم: المرض صعب جداً، وهو مرض عضال، ولا يصلح له إلا برطيطة، فذهبوا إلى برطيطة، فقال: أنا لا أعالج النساء، وكان المارد قد أخبرهم بأنه سيرفض، قال: ولكن قولوا له: أقل الأحوال أن يضعها في هذا الغار بجانبك وتعهدها، وفعلاً وضعوها بجانبه في الغار، وتلبس بها الشيطان فسقط عنها ثوبها، فنظر إليها برطيطة فإذا هي من أجمل النساء، فوقع حبها في قلبه، ثم وقع عليها فحملت إلخ القصة.
إذاً: لقد أهلكته نظرة واحدة لماذا؟! لأن الإنسان لا يدري متى ينفتح على الذنوب والمعاصي، فالقلب كالصندوق، وهو مِلْك الرب، فمن الممكن أن ينفتح على هذه الصورة ويغلق فتكون الفتنة، والعياذ بالله.
سبحان الله! رجل يضع جهاز التلفاز يبث ليل نهار في بيته صور النساء الكاسيات العاريات المائلات المميلات، وينظر الساعات الطويلة إلى هذا التلفاز، ويمشي في غاية الأمان، فمن الذي أعطاه كل هذا الأمان؟! كيف يمشي هكذا وهو آمن على قلبه؟! هل هو ملك أم نبي مرسل؟! فهذا يوسف عليه السلام قال: {وَإِلَّا تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ وَأَكُنْ مِنَ الْجَاهِلِينَ} [يوسف:٣٣].
يأتي أحدهم ويشتكي قسوة قلبه وجهاز التلفاز عنده في البيت ليل نهار، هذا داء، والدواء أن تحطمه وتخرجه من البيت، ولا تمكن نظرك ولا نظر أولادك من أن يقع عليه يا إخواننا! إن العلاج يحتاج إلى حزم، ولا تنظر ولا تسمع إلى لوم الناس؛ فإنهم لن ينفعوك أمام الله عز وجل.
لما مات الملك حسين في الأيام الماضية، وهو الذي بقي أطول مدة في الحكم، فقد حكم ستاً وأربعين سنة، فقلت في نفسي: هل ستقوم هذه السنين أمام أول ليلة في قبره؟ ست وأربعون سنة وهو ملك، لو وضعت في كفة فهل ستقوم بمبيت أول ليلة في قبره؟! إن الناس لن ينفعوك فانظر إلى الذي ينفعك، استعن بالله ولا تعجز، ولا يكونن أحدكم إمعة.
أقول قولي هذا، وأستغفر الله العظيم لي ولكم.