[بيان أن عداوة الشيطان لبني آدم عداوة ظاهرة]
إن الحمد لله تعالى، نحمده ونستعين به ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهد الله تعالى فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} [آل عمران:١٠٢] {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا} [النساء:١] {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا} [الأحزاب:٧٠ - ٧١].
أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وأحسن الهدي هدي محمد صلى الله عليه وآله وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.
قال الله عز وجل: {وَدَخَلَ الْمَدِينَةَ عَلَى حِينِ غَفْلَةٍ مِنْ أَهْلِهَا فَوَجَدَ فِيهَا رَجُلَيْنِ يَقْتَتِلانِ هَذَا مِنْ شِيعَتِهِ وَهَذَا مِنْ عَدُوِّهِ فَاسْتَغَاثَهُ الَّذِي مِنْ شِيعَتِهِ عَلَى الَّذِي مِنْ عَدُوِّهِ فَوَكَزَهُ مُوسَى فَقَضَى عَلَيْهِ قَالَ هَذَا مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ عَدُوٌّ مُضِلٌّ مُبِينٌ} [القصص:١٥].
إن موسى عليه السلام ذكر صفتين كاشفتين للشيطان، قال: (إنه عدو مضل مبين)، الصفة الأساسية -وصف الذات- بالنسبة للشيطان أنه عدو، فماذا ينتظر من العدو؟ أينتظر منه إيصال الخير؟! ثم ذكر صفتين كاشفتين لهذه العداوة (مضل، مبين) فأما أنه مضلٌ فواضح أما أنه مبين فهذا من أعجب ما يكون، قد أفهمه ويفهم أولو الألباب أن المرء يزل إذا كانت عداوة العدو خفية، أما إذا كانت العداوة بينة ظاهرة غاية الظهور ومع ذلك يزل المرء! فهذا شيء عجيب.
إن الله عز وجل قال لآدم عليه السلام ولحواء: {إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمَا عَدُوٌّ مُبِينٌ} [الأعراف:٢٢] وأظن أن العداوة مادامت بينة فمن السهل أن تكشف، فالشيطان له طريقة الخداع والمكر حتى يخفي هذه العداوة البينة الظاهرة، فهو يجر المرء ويستزله خطوة خطوة، وقد حذرنا الله تبارك وتعالى من اتباع خطوات الشيطان في أربعة مواضع من كتابه: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ كُلُوا مِمَّا فِي الأَرْضِ حَلالًا طَيِّبًا وَلا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ} [البقرة:١٦٨] بعد النهي عن اتباع خطوات الشيطان يذكر العداوة البينة حتى لا يلتبس عليك.
الموضع الثاني: {ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً وَلا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ} [البقرة:٢٠٨] السلم هو الإسلام.
الموضع الثالث: قال تعالى: {وَمِنَ الأَنْعَامِ حَمُولَةً وَفَرْشًا كُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ وَلا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ} [الأنعام:١٤٢] في ثلاثة مواضع بعد ذكر الخطوة يذكر العداوة البينة؛ حتى لا يلتبس عليك خطوه وجره.
والموضع الرابع: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ وَمَنْ يَتَّبِعْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ فَإِنَّهُ يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ} [النور:٢١] إذاً طريقة الشيطان الجر، ولذلك النبي صلى الله عليه وسلم كان يستعيذ بالله من الشيطان وشَرَكه، من أن ينصب له شَرَكاً -فخاً- وكل شر وضع في الأرض فالشيطان خلف هذا الشر، فعداوته بينة.