للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[هل للعباد حق على الله عز وجل؟]

هناك إشكال قائم بين أهل السنة والمعتزلة في: هل للعباد حق على الله عز وجل أم لا؟ فالمعتزلة يقولون: يجب على الله عز وجل أن يفعل الأصلح لعباده، وهل لأحد على الله حق؟! لا والله، ما لهم عليه حق، أنشأهم من العدم ولم يكونوا شيئاً مذكوراً، ووافاهم بالنعم، فأين الحق الذي لهم عليه؟ لكن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (يا معاذ! أتدري ما حق العباد على الله؟)، فأثبت للعباد حقاً هنا، فلربما قال قائل: فهذا إثبات لحق العباد على الله، فنقول: لا، إنه صار حقاً لهم لأنه وعدهم، وهو لا يخلف الميعاد؛ لا لأن لهم ما يستحقون به ذلك الحق من ذات أنفسهم، لكنه سبحانه إذا أوعد فتكرماً منه لا يخلف ميعاده للعبد، كما في حديث البطاقة وغيره الذي رواه الإمام الترمذي رحمه الله، وهو من أرجى أحاديث أهل السنة للعصاة، قال صلى الله عليه وسلم: (يصاح برجل على رءوس الأشهاد، وينشر له تسعة وتسعون سجلاً، كل سجل مد البصر، وكلها ذنوب وخطايا، فيقول الله عز وجل له: عبدي! هل تنكر مما في كتابك شيئاً؟ يقول: لا يا رب.

فلما علم أنه داخل النار يقيناً، قال الله عز وجل: عبدي! إنه لا يظلم عندي اليوم أحد، إن لك عندنا بطاقة، ثم يخرج بطاقة مكتوب فيها (لا إله إلا الله محمد رسول الله) فتوضع هذه البطاقة في الكفة الأخرى فتطيش هذه السجلات كلها، ولا يرجح باسم الله شيء).

فهذا العبد فعل ذنوباً، وقد توعد الله عز وجل العاصي بالنار، ومع ذلك أخلف الله ميعاده للعبد العاصي وأدخله الجنة، وقال صلى الله عليه وسلم: (بينما امرأة بغي -تتاجر بعرضها- تمشي فوجدت كلباً يلهث ويلعق الثرى من العطش، فنزعت موقها -أي: خفها- ونزلت في البئر فملأته ماء، فسقت الكلب، فشكر الله لها فغفر لها)، وهذه امرأة بغي؛ لأن إسقاط العقوبة تكرم يناسب الله عز وجل، فإذا كان يسقط العقوبة تكرماً أيرجع في الإحسان والهبة؟ والنبي صلى الله عليه وسلم أنكر على العبد أن يرجع في الهبة، فقال صلى الله عليه وسلم: (ليس لنا مثل السوء: العائد في هبته كالكلب يعود في قيئه) فأنكر على العبد، وهو لا يملك شيئاً ذاتياً يفتخر به، لا موهبة ولا مالاً، أنكر عليه أن يرجع في الهبة، أيرجع فيها رب العالمين؟ لا والله.

لذلك قال الله عز وجل بعد هذه الآيات: {وَمَنْ يُهَاجِرْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يَجِدْ فِي الأَرْضِ مُرَاغَمًا كَثِيرًا وَسَعَةً وَمَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ مُهَاجِرًا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ} [النساء:١٠٠] هذا هو الانحياز المحمود {إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ} [النساء:١٠٠]، وقال عز وجل: {وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ} [القصص:٥] فمن، وقال عز وجل: {وَأَوْرَثْنَا الْقَوْمَ الَّذِينَ كَانُوا يُسْتَضْعَفُونَ مَشَارِقَ الأَرْضِ وَمَغَارِبَهَا الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ الْحُسْنَى عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ بِمَا صَبَرُوا وَدَمَّرْنَا مَا كَانَ يَصْنَعُ فِرْعَوْنُ وَقَوْمُهُ وَمَا كَانُوا يَعْرِشُونَ} [الأعراف:١٣٧].

أقول قولي هذا، وأستغفر الله العظيم لي ولكم.