للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[الأخلاق المثالية للزوجة]

إن النبي عليه الصلاة والسلام امتدح نساء قريش -كما رواه الشيخان من حديث أبي هريرة رضي الله عنه- قال: (خير نساء ركبن الإبل نساء قريش: أحناه على ولد، وأرعاه على زوج في ذات يده) لذلك كن خير النساء.

تريد أن تعرف المرأة الودود؛ اعتبر بحال خديجة رضي الله عنها، سيدة النساء، فقد جاء في الصحيحين من حديث عائشة، وذكرت بدء الوحي، وأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يتحنث في غار حراء، ولما جاءه الملك وقال له: اقرأ؟ قال: ما أنا بقارئ، وهزه هزاً عنيفاً، ثم رجع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى داره يرجف فؤاده، وقال: زملوني زملوني، وقال لـ خديجة: لقد خشيت على نفسي، قالت: كلا، والله لا يخزيك الله أبداً، وفي رواية وقعت في بعض روايات صحيح البخاري قالت: كلا، والله لا يحزُنك الله أبداً، إنك لتصل الرحم، وتحمل الكل، وتقري الضيف، وتساعد الضعيف، وتعين على نوائب الحق، فانظر إلى كمال عقلها ولطفها، وحسن مواساتها لزوجها! أما كمال عقلها: فلأن الإنسان إذا أصابه الروع والفزع احتاج أن يذكره أحد بمآثره وصفاته.

رجع النبي صلى الله عليه وسلم وفؤاده يرجف مما رأى، وهو يقول: (لقد خشيت على نفسي)، فقالت خديجة -وأكدت ذلك بالقسم-: (كلا -والله- لا يخزيك الله أبداً) واستدلت على كريم شمائله وجميل نعوته أنه لا يُخزى: (إنك لتصل الرحم، وتحمل الكل -أي: العالة يحمله حملاً- وتساعد الضعيف، وتقري الضيف، وتعين على نوائب الحق) فكيف تُخزى.

أيها الرجال! أعينوا النساء على البر، إن الصدق هو أقصر طريق للإقناع، كن رجلاً في بيتك، لا تسقط من عين امرأتك بالكذب ولا بالخداع ولا بالمماراة، الصدق أقصر طريق للإقناع، إنك ترفع امرأتك رفعاً إذا كنت على هذا المستوى، إن صدق الرجل له أثر عظيم في استقامة المرأة، ما فسدت نساؤنا إلا بعد أن فسد رجالنا، ما نشزت امرأة في الغالب إلا كان الرجل سبباً في نشوزها؛ لم يقم عليها بحق القوامة.

نظرت خديجة إلى النبي صلى الله عليه وسلم فرأته رجلاً أميناً صادقاً وفياً، كان كثير الثناء عليها بعدما ماتت، حتى قالت عائشة رضي الله عنها -كما رواه البخاري وغيره-: (ما غرت على امرأة قط غيرتي على خديجة) يقول الإمام الذهبي رحمه الله: وهذا أعجب شيء: أن تغار من امرأة ميتة، ولا تغار من نسوة يشركنها فيه صلى الله عليه وسلم! لا تغار من أم سلمة، ولا تغار من أم حبيبة ولا من حفصة ولا من زينب، وهذا من لطف الله بنبيه؛ حتى لا يتكدر عيشه، لا تغار من نظيرتها وتغار من خديجة؛ لكثرة ما كان يذكرها ويثني عليها، (كان يذبح الذبيحة فيقطعها أعضاء، ثم يرسل إلى صدائق خديجة -أي: صديقاتها- فقلت له يوماً: كأنه ليس في الدنيا امرأة إلا خديجة.

فقال لي: إنها كانت وكانت، وكان لي منها الولد) أي: جعل يثني عليها ويذكر شمائلها.

وذات مرة كما في صحيح البخاري استأذنت هالة بنت خويلد -أخت خديجة - وكان صوتها يشبه صوت خديجة، واستئذانها يشبه استئذان خديجة، وذلك بعد موت خديجة رضي الله عنها بزمان، فلما سمع صوتها ارتاع لذلك -أي: يعني فزع، وهذا هو فزع الشوق واللهفة- وفي الرواية الأخرى: (قال: اللهم هالة!) أي: اللهم اجعلها هالة، قالت عائشة: فغرت، فمجرد الصوت يذكره بها، وطريقة الاستئذان تذكره بها، فقلت له: وما تفعل بعجوز حمراء الشدقين هلكت في الدهر أبدلك الله خيراً منها، تستنكر وكأنها تقول: ما هذا الكلام؟! وما هذا الثناء؟! وما هذا الذكر المستمر؟! أتذكر امرأة عجوزاً، وقولها: (حمراء الشدقين): كناية عن سقوط أسنانها، حيث لم يبق في فيها إلا حمرة اللثة، فهي تقول: فما تفعل بامرأة سقطت أسنانها عجوز (هلكت في الدهر، أبدلك الله خيراً منها؟!) تقصد نفسها، فقال لها النبي صلى الله عليه وسلم وهذا خارج البخاري، قال: (لا والله، ما أبدلني الله خيراً منها، آمنت بي إذ كذبني الناس، وأعطتني إذ حرمني الناس، وواستني بمالها إذ منعني الناس، ورزقني الله منها الولد إذ حرمني أولاد النساء).

فانظر إلى هذا الوفاء! كثير الثناء والذكر لها، وهي تستحق ذلك، ولذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم: (كمل من الرجال كثير ولم يكمل من النساء إلا أربع: خديجة ومريم وفاطمة وامرأة فرعون) أربع نساء في ملايين النساء منذ خلق الله آدم إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها، لها الشرف أنها تأخذ أجر كل مؤمنة بعدها إلى يوم القيامة، لها الشرف في ذلك؛ لأنها أول من آمنت مطلقاً قبل أبي بكر الصديق؛ لأنها أول من علمت ببعثته صلى الله عليه وسلم، وبأنه نُبئ فآمنت به، فلها أجر كل مؤمن يأتي إلى يوم القيامة؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من سن في الإسلام سنة حسنة كان له أجرها وأجر من عمل بها إلى يوم القيامة) وهذه سنت سنة الإيمان، وقال صلى الله عليه وسلم مؤكداً هذه القاعدة: (ما من نفس تقتل ظلماً إلا كان على ابن آدم الأول كفل منها؛ لأنه أول من سن القتل)، ابن آدم الأول الذي قتل أخاه يحمل كفلاً وتبعة كل رجل قتل ظلماً إلى قيام الساعة؛ لأنه أول من قتل واستن القاتلون به؛ فيحمل هذه التبعة.

كذلك الذي يسن الخير، وينشر الدين والعلم والسنة في بلد ليس فيها شيءٌ من ذلك، له أجر الدعاة إلى هذا الدين إلى يوم القيامة، كذلك خديجة: آمنت بالنبي صلى الله عليه وسلم إذ كذبه الناس.

هي هذه الودود، صاحبة الدين المتين.