للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[السر في كون الصحابة فاقوا من بعدهم]

أثُر عن عبد الله بن مسعود أنه قال: (تعلمنا الإيمان ثم تعلمنا القرآن، وإنه يأتي أقوام يتعلمون القرآن ثم يتعلمون الإيمان)، هذا هو الفرق: تعلم الإيمان أولاً، فإذا جاءته آية أو جاءه حديث لا يفقه معناه لا يعترض، لأنه آمن أولاً فيسلِّم، بخلاف الذي يقرأ القرآن بغير إيمان كامل فإنه يمكن أن يعترض على آيات، أو يمكن أن يرد أحاديث كثيرة.

فلذلك عبد الله بن مسعود كأنه بهذا القول يشير إلى خطورة تعلم المرء القرآن قبل تعلم الإيمان، أو تعلم العلم قبل تعلم الإيمان، لقد وصلت استهانة الناس بالقرآن إلى حد أنهم حرفوا النص، لا أقول حرفوا التأويل، إنما حرفوا النص.

بعض أقطاب الصوفية وأظنه ابن عربي أو رجل يشابهه لما جاء يفسر قوله تعالى: {مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ} [البقرة:٢٥٥]-الصوفية يفسرون القرآن بالإشارة- قال: تفسير الآية ليس كما يتبادر إلى أذهانكم، وإنما معنى الآية هكذا: (من ذل ذي يشف ع)، أتى بلفظ آخر للآية: (من ذل): من الذل.

(ذي): اسم إشارة، أي: من ذل نفسه.

(يشف) أي: من الكبر والبطر والرياء والعجب.

(ع): فعل أمر: من وعى، أي: ع هذا الكلام، هل الآية هكذا لفظاً ومعنى؟! سبحان الله! هانت عليهم آيات القرآن الكريم؛ لأن الأمر كما قال تعالى: {وَرِثُوا الْكِتَابَ} [الأعراف:١٦٩]، وهذا رجل وارث، ما قاتل على آيات الكتاب حتى يعز عليه أن يحرف المعنى، لأن مسألة تحريف اللفظ هذه مسألة خطيرة جداً.

صحيح أن ألفاظ القرآن الكريم يحمل وجوهاً كثيرة، والآية الواحدة قد تحتمل أكثر من معنى، لكن ليس إلى هذا الحد الذي يعود على معنى الفقه بالإبطال، إذا كان التأويل سائغاً معتبراً لا يخرج عن حد اللفظ اللغوي، وكان معنىً سائغاً لائقاًً كهذا التفسير اللائق لقوله تبارك وتعالى: {وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا} [الجن:١٨] هذه الآية معناها: أن المساجد لله تبارك وتعالى، فلا تخلط فيها شيئاً من الدنيا، ولذلك يمنع فيها البيع والشراء، وهيشات الأسواق، والنزاع والخصومة، وإنشاد الضالة، وهذه المعاني في المسجد إلى آخره.

فالمعنى السائغ اللائق هو كما قال بعض العلماء: {وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ} المساجد هنا: جمع مسجَد، أي: أن أعضاءك السبعة التي تسجد بها لله، فلا تسجد بها لأحد غير الله، لا تأت وتخرَّ على الأرض ساجداً أمام أي إنسان مهما كان عظيماً، كما يفعل بعض الجهلاء، كما حدث مع شاه إيران لما خرج من المطار أتى رجل وقبل نعله وسجد له.

وهذا المعنى الذي قاله هؤلاء العلماء في هذه الآية معنى لاائق؛ لأن اللغة تدل عليه، لا يجوز لأحد أن يسجد لأحد من البشر على هذه الأعضاء السبعة، بل هذه الأعضاء إنما يسجد بها المرء لربه تبارك وتعالى.

فإذا كان اللفظ محتملاً للمعنى ولا يخرج عن دلالته اللغوية فإنه جائز، لكن ليس إلى هذا الحد الذي يصل إلى إبطال الآية ذاتها، مثل لفظ: (من ذل ذي يشف ع) مع أن الآية خلاف هذا تماماً، إنما تجرءوا على فعل هذا الفعل المنكر، وهانت عليهم آيات القرآن الكريم؛ لأنهم ورثوا الكتاب.