إذا سبقت للعبد من الله الحسنى وعصم من الكبائر ساقه إلى الجنس الرابع: وهي الصغائر، شيء يسير، ومكوث العبد على الصغيرة أعظم من إتيانه الكبائر، (فمن القطر تدفق الخلجان): لا تستهن بصغيرة إن الجبال من الحصى وقد اتخذ كما قال: {لَأَتَّخِذَنَّ مِنْ عِبَادِكَ نَصِيبًا مَفْرُوضًا}[النساء:١١٨]، جماعة يعملون معه، وأناس يتكلمون بالقرآن ويجادلون، وأناس يقفون يأخذون الناس بالقوة، وأناس يهددونهم إذا سلكوا طريق الله (لَأَتَّخِذَنَّ مِنْ عِبَادِكَ نَصِيبًا مَفْرُوضًا) أي جرى في قدرك وفي علمك أن هذا لي، فكل هؤلاء يعملون لحسابه.
فيأتي مثلاً رجل يزعم أنه يفسر القرآن، مع أن غالب تفسيره إلحاد في آيات الله، يقول:(إن الله جميل يحب الجمال)، صفة الجمال صفة من صفات الله عز وجل كما في حديث مسلم، ويقول: إن من يرمق الجمال فإنه يبحث عن آية الله في الكون، فهذا مؤمن وتدبر آيات الله عز وجل ليزداد إيماناً، ومن أمثلة ذلك: أن الرجل إذا رأى امرأة جميلة فجعل ينظر إليها ويقول: تبارك الخلاق العظيم! ما هذا الخلق؟! وما هذا الخد؟ وما هذا العضد؟ وما هذا الوجه الجميل؟ وما هذا الأنف الرشيق؟ وما هذه العينان الجميلتان؟ وجعل يتغزل وينظر ويملأ عينه، فهذا الرجل يتأمل!! هذا أحد الذين قال إبليس فيهم (لَأَتَّخِذَنَّ مِنْ عِبَادِكَ نَصِيبًا مَفْرُوضًا) ولأضلنهم بمثل هذا القول، قال صلى الله صلى الله عليه وسلم:(إن أخوف ما أخاف على أمتي منافق عليم اللسان يجادل بالقرآن).
ويقول: هل أتيت بشيء من كيسي؟! إنما أقول لك: قال الله قال الرسول يا أخي! اسم الله على لسان كل مؤمن، حتى الكافر مجبر على ذكر اسم الله عند رؤية الشيء الجميل، وقد اتفق أهل الأرض جميعاً على أنهم إذا رأوا شيئاً جميلاً يقولون:(الله الله)، فكل جميل ينسبونه إلى الله، ويذكر مثل هذا القول.
وكثير من بني آدم ضعاف العقول، ضعاف التفكير يدخل عليهم مثل هذا، مع أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل عن نظر الفجأة فقال:(اصرف بصرك، فإن النظرة الأولى لك والأخرى عليك)، إذا مشى المرء فوقعت عينه فجأة على امرأة فلا يؤاخذ به، إنما إذا نظر مرة أخرى بدأ عداد السيئات يرصد له.
والرسول عليه الصلاة والسلام بين لنا خطورة الصغائر قال:(إياكم ومحقرات الأعمال، فإن مثل محقرات الأعمال كمثل قوم كانوا في صحراء، فذبحوا جدياً لهم والتمسوا حطباً لشواء هذا الجدي، فذهب كل رجل إلى وجهة، فأتى هذا بعود وذا بعود وذا بعود، فأشعلوا فيه ناراً فأنضجوه وأكلوه، فمثل محقرات الأعمال كمثل هذا، إذا اجتمعن على العبد أهلكنه).