للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الصحابة أطهر الناس قلوباً

إن الله تبارك وتعالى ما اختار أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم إلا بعد أن نظر إليهم فوجدهم أطهر الناس قلوباً.

فهذا أبو الدحداح رضي الله عنه مرة -كما في مسند البزار- كان جالساً مع النبي صلى الله عليه وسلم، فنزل قول الله تبارك وتعالى: {مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافًا كَثِيرَةً} [البقرة:٢٤٥] وكان لـ أبي الدحداح بستان به ستمائة نخلة، وهذه بضاعة رائجة عند العرب.

والأسودان التمر والماء كانت أساس حياة العرب، والنبي عليه الصلاة والسلام قال: (بيت لا تمر فيه جياع أهله).

إنسان يقول: نحن ليس لدينا تمر ولا نأكل تمراً، ونحن -والحمد لله- في نعمة وشبع؟! نقول له: إن الجوع هنا ليس معناه أن تكون جائعاً دائماً، فأنت لو أكلت جبنة أو زبدة، فما هي إلا نصف ساعة أو ربع ساعة، وإذا بك جائع، لكن التمر بخلاف ذلك، وهذا هو معنى قوله صلى الله عليه وسلم: (جياع أهله) ليس شرطاً أن يظل جائعاً دائماً، ربما يكون جائعاً ربع ساعة، وربما يكون جائعاً خمس دقائق، ثم ينتهي جوعه.

وكانت التمور هي البضاعة الرائجة عند العرب، فـ أبو الدحداح رضي الله عنه حين سمع الآية قال: (يا رسول الله! الله يطلب منا القرض؟! قال: نعم.

قال: ما لي عند ربي إن أقرضته حائطي هذا؟ -ستمائة نخلة إن أعطيته إياها فماذا لي؟ - قال: لك الجنة.

قال: فإني أشهدك أنني أقرضت حائطي هذا ربي) وقام من المجلس وحاله ليس مثل حالنا؛ بمجرد أن نخشع وترق قلوبنا يقول أحدنا: خذوا روحي! وبعد قليل يأسف.

ما الذي جعلني أقول ذلك؟! ما الذي ورطني هذه الورطة؟! أما هؤلاء الصحابة فقد كانت حرارة الإيمان عندهم دائمة، فلما أقرض الحائط هذا كله لله تبارك وتعالى، قام من المجلس، والحائط هذا كان سوراً على الستمائة نخلة، وكانت بيته بداخل هذا السور، فوقف على الباب ولم يدخل؛ لأنه لم يعد ملكه، فقد أقرضه ربه، ونادى على امرأته: يا أم الدحداح! اخرجي بأولادك؛ فإني أقرضت حائطي هذا ربي.

انظر إلى جواب المرأة! ما قالت: ما هذا الذي فعلت يا رجل؟! لماذا لم تكلمنا؟! أنت ماذا جرى لك؟! والأولاد أما تركت شيئاً للأولاد؟! قالت له: (ربح البيع يا أبا الدحداح، ربح البيع يا أبا الدحداح) أنعم بتلك النساء! والله إننا بحاجة إلى أن تتعلم نساؤنا من نساء الصحابة.

انظر إلى طلحة بن عبيد الله -أحد العشرة- في ليلة من الليالي قعد يتقلب في سريره وما استطاع أن ينام، يتقلب يميناً ويتقلب شمالاً وعيناه مفتوحتان، تقول له امرأته: ما بك يا طلحة؟! انظر إلى ما قالت له: (هل بدر منا شيء فنعجبك؟!) يعني: حصل مني شيء أسترضيك، طول الليل سهران ولا تستطيع النوم، هل فعلنا بك شيئاً؟ فقال لها: (نعم حبيبة المرء المسلم أنت! -أنت لا أحد مثلك- لكن جاءني مال ولا أدري كيف أفعل به).

انظر! جاءه مال ولا يدري أين يصرفه، هل تعرف ماذا قالت له؟ قالت له: (أنفق على أرحامك وفرقه فيهم) أرسله لأقاربك ووزعه عليهم.

قال الراوي: (فأنفق ثلاثمائة ألف) ثلاثمائة ألف فرقها في أقاربه فانظر إلى المرأة وهي تقول: (ربح البيع يا أبا الدحداح!) فخرج أبو الدحداح من كل ماله.

وهذه تقول: (أنفق على أرحامك) فأنفق ثلاثمائة ألف، فهذا هو الذي كان يميز جيل الصحابة.

وفي الصحيحين من حديث أنس أن عبد الله كانوا ينسبونه إلى غير أبيه -هو عبد الله بن حذافة - أبوه اسمه حذافة، فكانوا يقولون له: أبوك ليس حذافة؛ لأن أمك في الجاهلية فعلت وفعلت وجاءت بك من حرام، فـ عبد الله لم يتحمل هذه الكلمة، والنبي عليه الصلاة والسلام قال: (لا تسألوني في مقامي هذا شيئاً إلا أخبرتكم، فقام عبد الله بن حذافة وقال: يا رسول الله! من أبي؟ -أمام الناس جميعاً حتى يسمعوا رده- قال: أبوك حذافة) فـ عبد الله بن حذافة بعد أن ذهب إلى البيت ماذا قالت له أمه؟ قالت: يا عبد الله! ما رأيت أعق منك! أوأمنت أن تكون أمك قارفت ما يقارفه أهل الجاهلية، فتفضحها على رءوس الأشهاد؟!) افترض أنني كنت في الجاهلية فعلت شيئاً وأن أباك ليس حذافة، فتكون بسؤالك قد فضحتني!!