للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[حسن السؤال نصف العلم]

فقال له: (إن الملائكة لتضع أجنحتها لطالب العلم رضاً بما يطلب)، فقال له زر: (إنه قد حك في صدري شيءٌ في المسح على الخفين)، وفي هذا دليلٌ على مشروعية أن يسأل المرء إذا حاك في صدره شيء، أن يسأل أهل العلم، ولا يسأل أي إنسان له سمت العالم، إنما يسأل أهل العلم فقصة حديث الرجل الذي قتل تسعة وتسعين نفساً، لما أراد أن يتوب، قال: دلوني على أعلم أهل الأرض، فدلوه على راهب فلما سأله: إني قتلت تسعة وتسعين نفساً؛ ألي توبة؟ قال له: لا، فقتله، وفي بعض طرق الحديث قال: (فدلوه على راهب عابد) ومن أخطر ما يقع فيه اللبس عدم التفريق بين العالم وشبيه العالم، فكثير من الناس لا يفرقون بين العالم الحق وبين من يتزيا بزي العالم؛ فيحدث الخلط، فهذا شد رحاله إلى الصحابي الجليل وسأله سؤالاً، وهذا السؤال دل على فقه زر بن حبيش حيث قال فيه: (إنه قد حك في صدري شيءٌ في المسح على الخفين) قال له: (وكنت امرأً من أصحاب النبي صلى الله عليه وآله وسلم فهل عندك عنه شيء؟) نِعمَ السؤال! ما قال له: ما رأيك في هذا الموضوع؟ أو أنت ما ترى من فتوى؟ وكما قال القائل: ومن طلب البحر استقل السواقيا.

مباشرةً رفع المسألة إلى الرسول عليه الصلاة والسلام، قال: (هل عندك عنه شيءٌ؟) وكما قيل قبل ذلك: حسن السؤال نصف العلم؛ لأن العلم عبارة عن سؤال وجواب، فإذا أحسن الرجل السؤال خرج الجواب حسناً على مقتضى السؤال، وعادةً تجد أكثر الفتاوى التي تخرج من العلماء الأعلام لا توافق الفتوى الصحيحة، والسبب في ذلك أن السؤال لم يكن صحيحاً.

ونحن نقف على فتاوى لبعض العلماء، فنتعجب كيف أفتوا بذلك، لكننا نقف على جواب العالم، ولا نقف على السؤال الذي وُجِّه إليه، وعادةً يكون في الجواب من الخلل بقدر ما يكون في السؤال من الخلل؛ لأن الجواب مع السؤال كالصدى مع الصوت.

وقديماً ذكروا أن صبياً خرج إلى الغابة يصطاد فبينما هو يصطاد إذ صرخ، فلما صرخ رجع له صدى الصراخ، فظن أن ولداً آخر في الغابة يغيظه، فقال له: من أنت؟ فرجع له الصوت: من أنت؟ قال: قل لي: من أنت؟ فرجع الصدى: قل لي: من أنت؟ فأخذ غصناً وجعل يبحث عن هذا الولد الذي يحاكي صوته ليضربه، فلما تعب فقال له: إنك حقاً قبيح، فرجع له الصوت: إنك حقاً قبيح، فزاد في غيظه، فجعل يبحث عن هذا الولد، فلما يئس أن يجده رجع إلى أمه كسيف البال حزيناً، فلما رأته حزيناً قالت: ما لك يا بني؟ فحكى لها القصة، فتبسمت الأم، وقالت: يا بني إنه لم يكن شيءٌ مما ذكرت، ذلك صدى صوتك، ولو قلت حسناً لسمعت حسناً! وتعني بذلك حين قال له: إنك حقاً قبيح، فرجع له صدى الصوت: إنك حقاً قبيح، فهو لو قال كلمة جيدة، لرجعت له الكلمة الجيدة أيضاً.

فكذلك الجواب مع السؤال كالصدى مع الصوت تماماً، فإذا خرج السؤال سيئاً خرج الجواب على مقتضى سوء السؤال.

أما زر بن حبيش فقد سأل سؤالاً يدل على علمه، وهو أنه يرفع السؤال بأن يطلب دليلاً: (وكنت امرأً من أصحاب النبي صلى الله عليه وآله وسلم فهل عندك عنه شيء؟)، وكذلك كان جميع علمائنا بحمد الله تبارك وتعالى، كما أنهم ويتبرءون من مخالفة النبي صلى الله عليه وآله وسلم أحياءً وأمواتاً.