قال عليه الصلاة والسلام:(ورجلٌ آتاه الله علماً ولم يؤته مالاً، يقول: لو أن لي كفلان لفعلت فعله فهو ونيته).
وقوله:(فهو ونيته) يفهم منه أن هذا العبد عاجز عن تحقيق الفعل، فلم يملك إلا النية، كقوله عليه الصلاة والسلام:(من لم يغزُ ولم يحدث نفسه بالغزو)، وهذه هي النية هنا.
قال عليه الصلاة والسلام:(فهما في الأجر سواء)، كلمة (سواء) هي بدلالة أحاديث أخر لا تقتضي التسوية من كل وجه؛ بل من بعض الوجوه.
فإنك لو قلت مثلاً: محمد والأسد سواء، لا تقصد التسوية بينهما في كل شيء بل تقصد التسوية في خصلة واحدة إما الشجاعة وإما عدم الرحمة إلخ، فكلمة (سواء) ليس المقصود بها أن يُشبه بهذا الحيوان في كل شيء، وهكذا في الحديث؛ لأن مَن تعدى خيره بخصلتين، أفضل ممن تعدى خيره بخصلة واحدة، فرجل آتاه الله علماً ومالاً؛ لا شك أنه أفضل ممن آتاه الله المال فقط؛ لأن هذا الرجل مع تعليمه الناس يفرج الكربات، فهذا أفضل من الذي يعلم الناس فقط.
فالرجل الأول: خيره تعدى بخصلتين.
والثاني: خيره تعدى بخصلةٍ واحدة وهي العلم.
أضف إلى ذلك: أن العلم قد ينتفع المرء به وحده، أما المال فينتفع المرء به وينفع غيره.
هذا وجه.
الوجه الثاني: أن يكون معنى قوله عليه الصلاة والسلام: (هما في الأجر سواء) أي: وإن لم يكن الثاني كالأول؛ لكن يكمل الله له الأجر بنيته، فصار الثاني مساوياً للأول تكرماً من الله عليه، فيكونان في الأجر سواء من هذه الحيثية.