[تفاني الصحابة في الدفاع عنه صلى الله عليه وسلم وعن دعوته]
في حديث ابن عباس في صحيح البخاري، حديث هرقل لما أرسل له النبي صلى الله عليه وسلم الكتاب، وحصل بين هرقل وبين أبي سفيان محاورة بشأن النبي عليه الصلاة والسلام وأتباعه، فكان من ضمن هذه المحاورة أن قال هرقل لـ أبي سفيان: هل أتباعه الضعفاء أم الأشراف والأغنياء؟ قال: بل الضعفاء.
قال: يزيدون أم ينقصون؟ قال: بل يزيدون.
فقال له هرقل بعد ما تم الأسئلة: لئن كان صدقاً ما تقول ليملكن موضع قدميَّ هاتين.
من الذي معه؟ مستضعفون عضهم الفقر بنابه، وتأمل هذا الاستضعاف في يوم بدر كانوا ثلاثمائة وأربعة عشر صحابياً خرجوا لأخذ تجارة قريش ولم يخرجوا للحرب، أفلت أبو سفيان بالعير وأرسل إلى قريشٍ: لا عليكم فقد نجوت بالعير، لكن تعست أمةٌ على رأسها أبو جهل! فقال أبو جهل: لا، بل لابد أن نخرج، فننزل بدراً، وتغنينا القيان، ونشرب، وتسمع بنا العرب، فلا يزالون يهابوننا أبداً.
وخرج مع ألف رجل، كانوا يذبحون عشراً من الجمال في اليوم الواحد ليأكلوها، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يقتسم مع أصحابه التمرات، ولما فرضت عليهم المعركة فرضاً، وهم ما خرجوا لقتال أصلاً، وإنما خرجوا لأخذ العير، لكن لم يكن أمامهم إلا القتال، ولابد أن يقاتلوا.
فنظر النبي صلى الله عليه وسلم إلى أصحابه، ثم رفع يديه إلى ربه، وبالغ في رفع يديه والتذلل إليه، حتى سقط برده عن منكبه، وهو يقول: (اللهم إنهم جياع فأطعمهم، اللهم إنهم عراة فاكسهم، اللهم إنهم عالة فاحملهم، اللهم إن تهلك هذه العصابة لا تعبد أبداً) هذا هو وضعهم، ودارت رحى الحرب، وكان الظفر للمؤمنين لسبب واضح وبسيط: {إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى الْمَلائِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ} [الأنفال:١٢] من الذي يغلب إذا انحاز إليه الملك؟ من الذي يغلبه؟ في الصحيحين من حديث سلمة بن الأكوع أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج على طائفة من أصحابه وهم يتناضلون بالسهام، فقال: (ارموا يا بني إسماعيل، فإن أباكم كان رامياً، ارموا وأنا مع بني فلان، فالجماعة الآخرين وضعوا النبال وقعدوا، قال: ما لكم؟ قالوا: كيف نرمي وأنت معهم؟! -يعني: ما نستطيع أن نرمي، ولا نغلب وأنت معهم- قال: ارموا وأنا معكم جميعاً).
لا يغلب أبداً طرفٌ يؤيده الملك، إننا مستضعفون نعم، لكن سنغلب، والله العظيم! سنغلب بإذن الله، مع أننا ضعاف، ولا نملك الشوكة، لكننا سنغلب، لكن المسألة تحتاج إلى انحيازٍ كامل لله ورسوله؛ حتى تضمن ولاء الملك لك، أن تنحاز بكليتك إلى الله، إنما هذا التردد عندما تجد الواحد منا يفعل طاعة ثم تراه يترك الطاعة بمنتهى السهولة، أللامبالاة موجودة عنده، فمثل هذا لا يَغلب أبداً.
النبي صلى الله عليه وآله وسلم قدوتنا في كل باب من أبواب الخير، تجده متقدماً على الخلق جميعاً، أمثله صلى الله عليه وسلم لا يحب ولا يوالى؟ والله يا إخواني! لو درستم شمائله صلى الله عليه وسلم لغلبتم على حبه -أقول: لغلبتم على حبه- ولقدرتموه حق قدره، وهناك كتب في الشمائل مثل: كتاب الترمذي، وهذا الكتاب اختصره شيخنا الألباني حفظه الله، وميز صحيحه من ضعيفه، وكتاب: أخلاق النبي صلى الله عليه وسلم لـ أبي الشيخ؛ وكتاب: الأنوار للبغوي حسين بن مسعود، وهذا أوسع الكتب تقريباً.
مع كتب المناقب الموجودة في كتب الصحاح والسنن، فكلها مشتملةٌ على وصف النبي صلى الله عليه وسلم في كل الأبواب، حتى وصل الوصف إلى نعله، أنا على يقين بأنك إذا أدمنت النظر في شمائله وواليته صلى الله عليه وسلم فإنك ستحبه وتعظمه وتقدره وتبجله، ولا غرو ولا عجب، ففي حديث أم زرع؛ الطويل المعروف، أن المرأة لما تزوجت أبا زرع فجعلت تصف أبا زرع وابنه وابنته وأمه وجاريته، وتصبغ عليهم من الأوصاف والخصال الحميدة، يقول الراوي في غير الصحيحين عند الزبير بن بكار، يقول: وجعلت المرأة تصف كل شيءٍ، حتى وصفت كلب أبي زرع! انظر من حبها للرجل وصفت الكلب.
فلذلك سنذكر فضائله صلى الله عليه وسلم في كل باب؛ لتستعين بهذا العرض الصحيح على محبته صلى الله عليه وسلم، وأنه يستحق أن لا تضع أحداً في مقابله.
أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم لي ولكم.
اللهم اغفر لنا ذنوبنا، وإسرافنا في أمرنا، وثبت أقدامنا، وانصرنا على القوم الكافرين.
اللهم اجعل الحياة زيادة لنا في كل خير، واجعل الموت راحةً لنا من كل شر، اللهم قنا الفتن ما ظهر منها وما بطن، اللهم لا تجعل الدنيا أكبر همنا، ولا مبلغ علمنا، ولا تجعل مصيبتنا في ديننا، ولا تسلط علينا بذنوبنا من لا يخافك ولا يرحمنا.
ربِّ آت نفوسنا تقواها، وزكها أنت خير من زكاها، أنت وليها ومولاها.
اللهم اغفر لنا هزلنا وجدنا، وخطأنا وعمدنا، وسرنا وعلانيتنا، وما أنت أعلم به منا، أنت المقدم وأنت المؤخر، وأنت على كل شيء قدير.
والحمد لله رب العالمين.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين.