للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[العلم من شروط الهجر]

الحمد لله رب العالمين، له الحمد الحسن والثناء الجميل، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، يقول الحق وهو يهدي السبيل، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم.

أيها الإخوة الكرام! الهجر نوع من الجهاد، وهو فرع من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وقد اشترط العلماء في الآمر والناهي أن يكون عالماً بالمسألة التي سينكرها أو سيأمر بالمعروف فيها، فمن التبس عليه ذلك توقف.

لقد رمانا أناس كثيرون في أول الالتزام بالخروج عن الإسلام؛ لأننا دللناهم على السنة الغائبة، وكانوا يزعمون أننا جئنا بدين جديد، فهل هم محقون؟ هل جئنا نحن بدين جديد أم أنهم أنكروا علينا بالجهل القديم؟ لقد أنكروا علينا بالجهل القديم، فهناك بعض المسائل الدقاق التي تخفى على طالب العلم فضلاً عن العوام.

إذاً: قبل أن ينكر -فضلاً عن أن يهجر- لابد أن يكون عالماً بما يأمر به أو ينهى عنه.

وهذا الهجر لا يختص بهجر الأبدان فقط؛ بل إنه يشمل كل ما يضاد الله ورسوله ودينه؛ كهجر المجلات الخليعة، والصحف الوقحة التي تناوئ الإسلام، مثل صحيفة الدستور، والمجلات الفاجرة التي تنادي جهرةً بتنحية شريعة الله عز وجل، ويقولون: ما تأخرنا إلا بسبب تحكيم الشريعة والعجب أنهم يصرحون بذلك ويرجعون إلى بيوتهم آمنين مطمئنين! هذا هو العجب العجاب! إنني أقرأ كلام بعض هؤلاء فأحس بدبيب الأفاعي تحت السطور، وأرى حيات لجلدها حفيف ولأنيابها جرش من خلف السطور! إنما أرسلوا هذه الحيات والأفاعي من بنات أفكارهم ليغتالوا قلوبنا وأفكارنا، وليشككوا في انتمائنا للإسلام كمثل كشيش أفعى أجمعت لعضي فهي تحك بعضها ببعض هذا هو كلامهم، لاسيما أن أكثر الذين يتعاطون هذه الصحف والمجلات ليسوا من الدعاة حتى يقول: أنا أقرأ لكي أرد إنما هم من العوام، وقد يقال: لو أن داعية ترخص واشترى مجلة من هذه المجلات؛ ليعلم حقيقة الحرب الدائرة على الإسلام، ويبصر الجماهير بما يحاك لها في الظلام، قد يقال: إن هذا جائز؛ كما أنه أجيز لأهل الإسلام أن يقرءوا التوراة والإنجيل ليردوا على أهل الكتاب، وأبيح للعلماء أن يقرءوا كتب أهل البدع ليردوا عليهم من كتبهم، وقد نبغ عندنا علماء أجلاء كانوا أفقه لدين النصرانية من لمباشنودا، والذي يقرأ كتاب الجواب الصحيح لمن بدل دين المسيح، لشيخ الإسلام ابن تيمية؛ يعرف قدر هذا الشيخ، وقدر فهمه للنصرانية.

يقول ابن كثير رحمه الله في أحداث سنة بضع وسبعمائة: إنه قابل أحد القساوسة، الذين هم البطاركة الكبار الذين يشار إليهم بالبنان، قال: فجادلته في دينه، فرأيته يفهم من دينه شيئاً سبحان الله! يفهم من دينه شيئاً! إذاً ابن كثير كان أعلم منه بالنصرانية، فقد كان هؤلاء العلماء وعلى رأسهم شيخ الإسلام ابن تيمية ينقلون من الإنجيل ويحاججون هؤلاء بإنجيلهم.

فإذا جاز للمسلم أن يفعل ذلك لغرض المصلحة الراجحة، فلا يحل للعوام الذين لا ينتصبون للرد على هؤلاء أن يقرءوا مثل هذا، ولا يشتروا مثل هذه الصحف؛ لما يخشى عليهم من تزيين العبارات، والرسول عليه الصلاة والسلام عندما رأى صحيفةً من التوراة في يد عمر قال: (ما هذا يا عمر؟ قال: صحيفة من التوراة كتبها لي رجل يهودي.

فغضب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعلت وجهه حمرة، وكان إذا غضب كأنما فقئ في وجهه حب الرمان، وقال: أمتهوكون في يا ابن الخطاب؟! -أي: أمتحيرون؟ - والله لقد جئتكم بها بيضاء ناصعة، والذي نفسي بيده لو كان موسى حياً ما حل له إلا اتباعي)، لِمَ يخشى على مثل عمر أن تكون هناك عبارة منمقة مزينة تخترق قلبه.

وكما قال سفيان الثوري: القلوب ضعيفة والشبهة خطافة.

نسأل الله تبارك وتعالى أن يعصم قلوبنا من الشيطان وشبه أولياء الشيطان، اللهم اغفر لنا ذنوبنا وإسرافنا في أمرنا، وثبت أقدامنا وانصرنا على القوم الكافرين.

اللهم اجعل الحياة زيادة لنا في كل خير، واجعل الموت راحة لنا من كل شر، اللهم قنا الفتن ما ظهر منها وما بطن، اللهم لا تجعل الدنيا أكبر همنا، ولا مبلغ علمنا، ولا تجعل مصيبتنا في ديننا، ولا تسلط علينا بذنوبنا من لا يخافك ولا يرحمنا.

رب آت نفوسنا تقواها، وزكها أنت خير من زكاها، أنت وليها ومولاها، اللهم اغفر لنا هزلنا وجدنا، وخطأنا وعمدنا، إنك نعم المولى ونعم النصر.