[الإسلام دار والصحابة الباب]
الحمد لله رب العالمين، له الحمد الحسن، والثناء الجميل، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، يقول الحق وهو يهدي السبيل، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم.
أيها الإخوة الكرام! ليس ما ذكرته هو أول عقبة، فحياتك كلها عقبات، ألم نسمي مجموعة الأحكام الشرعية تكاليف؟ وأنت اسمك المكلف، ومعنى مكلف أي: يفعل الشيء بكلفة.
والتكليف كله مشقة، فأمامك عقبات عظيمة، وأول العقبات أن تختار المرأة الصالحة؛ فالمرأة الصالحة رزق، مثل المال والولد، ثم حبك للمرأة رزق آخر لا دخل لك فيه وكما قلت لك: إن قلبك ليس بيدك.
ولما أكثر النبي صلى الله عليه وسلم من ذكر خديجة رضي الله عنها غارت عائشة؛ فتكلمت بما تكلمت، فقال لها: (إني رزقت حبها).
فحب الرجل للمرأة رزق، وحب المرأة للرجل رزق، وهو يستحق شكراً مستقلاً، فإذا رزقك الله عز وجل زوجة صالحة فاسجد لله شكراً.
وفي هذا الزمان حصلت فجوة في تاريخنا، ذهبت فيها الخلافة، وإن مغبة ضياع الخلافة فيه فساد جيل بأكمله، هذه الأمة جيلاً فاسداً، عاش تحت وطأت العلمانيين، والمتحللين من دينهم، ولا زلنا نعاني من هذه المحنة؛ وأصبح اختيار المرأة الصالحة يكلف الرجل بحثاً كثيراً؛ لكن ابحث عن صلاح بيئتها قبل صلاحها.
هناك حديث موضوع لا يجوز أن ننسبه إلى النبي عليه الصلاة والسلام؛ لكن نحن نقوله ليس لأنه حديث؛ لكن لأنه كلام جميل: (إن أنضر الأزهار ينبت في الدمم).
الدمم: المستنقعات، والوردة جميلة، تنبت في وسط المستنقع.
المرأة التي ظاهرها الالتزام، وقد تربت في بيئة سيئة، لو تزوجها قد تنجيها من البيئة التي تعيش فيها، ولكن بعدما تتزوج قد تحصل مشاكل عادية بين الرجل والمرأة فتذهب المرأة إلى بيت أبيها، وهم لا يعينونها لصلاح بيتك، بل يفسدونها، ونحن عندنا نماذج من ذلك، إلا أن يتفضل الله عز وجل على هذه المرأة فتكون أصيلة وأنت لا تدري؛ فإذا أردت أن تختار انظر إلى صلاح الأهل والبيئة، فلو اخترت امرأة يظهر عليها كل مظاهر الالتزام وأهلها صالحون فإنهم يصلحونها لك، وإذا غضبت أرجعوها.
رضي الله عن أبي بكر، فقد كان نعم الحمو للزبير بن العوام، وكان الزبير رجلاً غليظاً وضراباً، إذا ضرب يضرب بقسوة، وكان متزوجاً بامرأتين؛ فكانت أسماء رضي الله عنها تذهب وتشتكي لأبيها؛ فكان يرجعها ويقول لها: يا ابنتي! إن الزبير رجل صالح، صحيح أنه يضرب لكن أين بقية شمائله: دينه وأخلاقه ورعايته، ثم هو من المبشرين بالجنة، رجل من الصالحين، فترجع أسماء المرأة الصالحة البارة الوفية إلى زوجها، وقد تجد المرأة في زوجها خلقاً سيئاً لكن قد ترضى منه أخلاقاً كثيرة كذلك المرأة فقد تجد فيها خلقاً سيئاً، وترضى منها أخلاقاً أخرى جميلة وفي الحديث: (لا يفرك مؤمن مؤمنة، إن كره منها خلقاً رضي منها آخر).
هذه كلها عوامل تساعدك على اختيار المرأة الصالحة، وليست هذه كما قلت أول العقبات، بل هناك عقبة كؤود، هي من أعظم العقبات التي تواجهك أيها الرجل الآن، وهي معرفة المنهج الذي تربي عليه أبناءك.
ونحن أمامنا مناهج كثيرة، والرسول عليه الصلاة والسلام قال: (تفترق أمتي على ثلاث وسبعين فرقة، كلها في النار إلا واحدة) فأنت أمامك ثلاثة وسبعون باباً مفتوحاً كل باب يمثل منهجاً مستقلاً.
إذاً: قبل أن تخطو لابد أن تعلم إلى أين الطريق؟ إلى أين يؤدي؟ ولقد كفانا النبي عليه الصلاة والسلام مئونة تحديد الطريق والمنهج فقال: (ما عليه اليوم أنا وأصحابي).
فهل التزمنا بمذهب القرن الأول؟ هل نعرف كيف عاش الصحابة فعلاً؟ كيف كانوا يعتقدون العقيدة؟ كيف كانوا يتعاملون؟ كيف كانوا يتفاوتون في فهم الأدلة والنصوص؟ إذاً: إذا أردت أن تبقي لهذه الأمة من نفسك ولداً صالحاً، يكون نواة لجيل التمكين، لابد أن تعلم ولدك الباب الوحيد الذي يدخل منه.
هي هذه العقبة الكئود التي يجب أن تبحث عنها أكثر من بحثك عن عمل إضافي لتأكل وتشرب.
هو معرفة منهج النجاة، هذا العلم فرض عين عليك، خاصة أننا في هذا العصر عصر تشويه جيل الصحابة، هذا التشويه قائم على قدم وساق، يكذبون أبا هريرة وينشرون كتباً لتكذيبه، في أكبر دار نشر رسمية، فقد ظهر كتاب أضواء على السنة المحمدية للهالك محمود أبو رية يكذب فيه أبا هريرة ويقول: إنه كان يفتري الكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم.
ويخرج رجل آخر جاهل يصدر كتاباً الأضواء القرآنية لاكتساح ما في البخاري من الإسرائيليات، يلعبون بالكتب ويعبثون بهذا التاريخ المجيد، الذي إذا انهار لا تقوم لنا قائمة.
الآن المد الشيعي بدأت تظهر بوادره، والذي يعتمد أساساً على تحقير الصحابة، لماذا؟ لأن الصحابة هم الباب إلى الإسلام، هم الذين نقلوا لنا الدين كله أصولاً وفروعاً، فإذا جاز لك أن تكذب أبا هريرة! فهذا يعني أن كل حديث نقله أبو هريرة كذب، وكم من العلم سيضيع إذا كذبنا الناقل، والطعن في الصحابة المقصود به الطعن في الإسلام كله.
كان الإمام النسائي رجلاً مجاهداً، فلما دخل دمشق كان المحبون لـ معاوية كثراً والمبغضون لـ علي كثراً، فالإمام النسائي قال: أحسن شيء أن أؤلف كتاباً في فضائل علي، فصنف كتاباً أسماه خصائص علي بن أبي طالب، أي: مناقبه، فصنفه قبل أن يصنف رسائل الشيخين في فضائل أبي بكر وعمر، فنسب إلى التشيع بسبب هذا الكتاب، مع أنه سني خالص؛ لكنه رأى من السياسة الشرعية أن نبدأ بتصنيف كتاب خصائص علي لكي يقرأه في وسط النواصب.
فبعد أن قرأ الكتاب قام شخص وقال له: لم لا تحدثنا بفضائل معاوية؟ فقال: جاء حديث صحيح رواه الإمام مسلم في صحيحه من حديث ابن عباس رضي الله عنهما قال: (قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: ناد لي معاوية) وقد كان معاوية رضي الله عنه كاتباً للوحي، ولا يكتب الوحي إلا أمين، فذهب ابن عباس فوجده يأكل، فقال له: حتى أكمل الأكل، وقعد ابن عباس يلعب مع الصبيان، فرآه النبي عليه الصلاة والسلام وقال: ناد لي معاوية.
فقال له ابن عباس: إنه قال: سيأكل ويأتي، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (لا أشبع الله بطنه).
والعلماء قد حملوا هذا على المدح، بدلالة حديث أم سليم عند مسلم أيضاً: (أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لـ أم سليم: أو ما تدرين ما شارطت عليه ربي.
قلت: اللهم إنما أنا بشر، فأي المسلمين سببته أو لعنته فاجعل ذلك له زكاة وأجراً) ولا أشبع الله بطنك زكاة وأجر.
قال: فسكت وسكت السائل؛ ولكن العوام قاموا عليه يضربونه فقتلوه، فمات الإمام النسائي شهيداً بسبب هذا الكتاب، فأراد أحدهم أن يستغل هذه المسألة فقال له: إن بعض الناس يتكلم في معاوية.
فقال له الإمام: إن الإسلام دار والصحابة الباب فمن نقر على الباب أراد الدخول ومن أراد الصحابة الإسلام.
هي دعوة ظاهرة ولا نجاة لك إلا من هذا الباب الذي هم الصحابة، فعليك بالتزام مذهب القرن الأول الذي صار فرض عين علينا جميعاً إذا كنا نريد النجاة.