للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[اختصاص الله تعالى بعلم مآل الأحوال]

إن الإيمان بالقضاء والقدر لا يكون إلا مجملاً؛ لأن حكمة الله لا تدركها العقول.

فهذا موسى عليه السلام مع كونه نبياً مرسلاً من أولي العزم، وهو أكثر الأنبياء ذكراً في القرآن المجيد، عندما اتبع الخضر فقتل الغلام أنكر عليه: {قَالَ أَقَتَلْتَ نَفْسًا زَكِيَّةً بِغَيْرِ نَفْسٍ لَقَدْ جِئْتَ شَيْئًا نُكْرًا} [الكهف:٧٤]، وفي القراءة الأخرى: ((زاكيةً))؛ لكن الله عز وجل الذي علم الخضر هذه الأمور التي حجبها عن موسى -وهو العليم الذي يعلم مآل الأحوال وما تصير إليه- قضى بأنه إن عاش هذا الغلام سيكون كافراً، وحينها سيرهق أبويه طغياناً وكفراً.

من الذي يمكن أن يطلع على هذه النتيجة؟ من الذي يقول: إن فلاناً سيختم له بشقاء أو بسعادة؟ كون الإنسان لا يملك علم معرفة المآل؛ لا يجوز له الاعتراض بظهور الحال، فإن العبرة بالمآل، كما قال صلى الله عليه وسلم: (إنما الأعمال بالخواتيم)، فلو صام الإنسان يوماً طويلاً، وقبل المغرب بوقت قليل شرب الماء، لبطل صوم يومه، وكذلك قبل أن يسلم من صلاته، لو أحدث لبطلت صلاته.

إذاً: (إنما الأعمال بالخواتيم)، والخاتمة محجوبة، ومن مذهب أهل السنة والجماعة: أن لا نشهد لمعينٍ بجنة ولا نار، فلا نقول: فلان: من أهل النار، حتى لو كان مشركاً أو يهودياً أو نصرانياً، إلا أن تذكر النتيجة مقيدة، كأن يقال: فلان النصراني من أهل النار إن مات على ذلك، ذكر ذلك ابن كثير رحمه الله تعالى واستدل بقول الله عز وجل: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَمَاتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ} [البقرة:١٦١]، هذا هو الشرط؛ لاحتمال أن تتدارك رحمة الله عز وجل هذا النصراني فيسلم قبل أن يموت، إذاً: الذي ظهر كفره بجلاء لا تُعرف خاتمته، فإذا كان العبد يجهل الخاتمة فكيف له أن يحكم وعلمه ناقص؟! روى البخاري وغيره من حدث ابن عباس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إن الغلام الذي قتله الخضر طبع كافراً)، أي: خلقه الله كافراً، والخضر لو لم يعلمه الله عز وجل لما علم الحقيقة؛ بل لم يعلمها موسى الكليم، الذي هو من أولي العزم، فلذلك لا ينبغي للعبد أن يحكم على المآل بظهور الحال.

إن الذين يتكلمون على الصحوة الإسلامية الآن وهم يرونها ضعيفة، فأحدهم يستهزئ ويقول: دعوهم يدعون على أمريكا ليل نهار، أمريكا لديها صواريخ عابرة للقارات، وعندها قنابل ذرية، وقنابل هيدروجينية، وعندها أربعون قمراً صناعياً تجسسياً فوق منطقة الشرق الأوسط، فكأنها تسمع دبيب النملة، وأوهمونا في حرب الخليج أن الطائرة الشبح تستطيع أن ترى ماركة الفنيلة! وهؤلاء هم القادة العسكريون الذين هم عسكر من رءوسهم إلى أخمص أقدامهم، هم الذين كرروا هذا الكلام.

فهؤلاء ينظرون إلى الحال ولا ينظرون إلى المآل: {وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ} [آل عمران:١٢٣]، لم يكن عندهم السبب الكافي الذي ينتصرون به على قريش، ولكن نصرهم الله وهم أذلة، هذا هو المآل! أما هؤلاء فكما قال الله عز وجل: {يَعْلَمُونَ ظَاهِرًا مِنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا} [الروم:٧]، هذا كل علمهم، يعلمون ظاهراً من الحياة الدنيا، يقولون: كل يوم يكتشف العلماء أشياء مذهلة، والذين ماتوا قبلهم كانوا جهلاء بها.

إذاً: عِلم الناس جميعاً ظاهر فقط، وما أطلعهم الله عز وجل على علم الحياة الدنيا، فمملكة السماوات والأجرام سر حتى الآن، حتى الصعود إلى القمر، وأنا أقول هذا الكلام على عهدة الرجل الذي ألف كتاباً وقد كان أحد رواد الفضاء، وجنسيته كندي، وألف كتاباً يفضح فيه المخابرات الأمريكية، وعنوانه: (لم نصعد إلى القمر)، وهو منشور باللغة الإنجليزية منذ حوالي سبع سنوات، قال فيه: إن الصعود إلى القمر أكذوبة للمخابرات الأمريكية، وإن بيننا وبين القمر منطقة تصل درجة حرارتها إلى أربعة آلاف درجة مئوية، لا يصل شيء إليها إلا ذاب وقال: ولست أنسى -وهذا الكلام على لسانه ونقوله على عهدته- يوم دعوا الجمهور الأمريكي ليتفرج على كبسولة الفضاء وهي تصل إلى القمر، ثم أشرنا إلى الجماهير وقام التلفزيون والقنوات بالتصوير، وأغلقوا علينا باب الكبسولة، ولم يعلم الجماهير أننا نزلنا من الباب الآخر، ثم أرسل الصاروخ كبسولة الفضاء ولم يعلم الجماهير أن هذه الكبسولة نزلت في المحيط وهذا ليس بغريب، وليس بمستبعد، فقضية الأطباق الطائرة خرافة المخابرات الأمريكية، وأنت عندما تريد أن تعمل شيئاً في الدنيا فلا بد أن تهيء له بشيء يلفت نظر العالم كله.

واليهود هم ملوك الدعاية، وقد وصلنا الآن إلى درجة أن أمريكا وإنجلترا قد ملكت مقاليد الدنيا، وأول ما يشعر العباد أنهم قد ملكوا الأرض حينئذ تقوم القيامة كل شيء في الدنيا ملعون إلا ذكر الله وما والاه، ما غاية سعي العباد إلا الرئاسة والمال، وأعظم رجل ترأس في الدنيا كلها وشعر بحظ النفس هو فرعون، فليس هناك أحد أعظم منه والله ما سمعنا برجلٍ عُبد وكان له هذا الجبروت إلا فرعون، وغاية ما يتمناه الغني أن يكون مثل قارون، ولو جمع كل ما عند الناس الأغنياء المعدودين فلن يصل إلى ركن في خزائن قارون، وقد علمنا قصة فرعون وقصة قارون لتكون عبرة لأولي الألباب.