[حصر حق الزوج في التعدد بوجود ضرورة أو عيب في الزوجة]
نحن في مسألة إنكار تعدد الزوجات صرنا كالنصارى بكل أسف، حتى إنك قد تجد رجلاً ينسب إلى الالتزام في هذا الباب -أيضاً- كالعوام، فحين يتزوج زوج ابنته بأخرى يأتيه قائلاً: لماذا تتزوج على ابنتي؟ هل ابنتي فيها عيب؟ هل ابنتي مقصرة في شيء؟ فنقول: هل الزواج الثاني لابد أن يكون عن تقصير من الأولى؟! أو بسبب علة فيها؟! من الذي قال ذلك؟ والله تبارك وتعالى يقول:{فَانكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ}[النساء:٣] والكلام السابق رد لهذا، إذا لم يرد ذكر للعلة فلو قال الرجل: أريد الزواج بالثانية بلا علة، فالزواج بها يشرح صدري، ويقربني من ربي، ويمكنني من أن أتمتع بالمتعة الحلال، وهذا هو مقتضى اللفظ:(انكحوا ما طاب لكم){فَانكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلاثَ وَرُبَاعَ}[النساء:٣].
لكن حين يأتي هؤلاء وينزعون الكلمة من السياق، ويقدمون للناس أحكاماً مبتورة: أن الزواج الثاني لا يكون إلا لعلة، ولابد من استشارة الزوجة الأولى في الزواج؛ لأن الرسول عليه الصلاة والسلام فعل ذلك!! وأنا لا أدري أهذا كذبٌ على الله عز وجل أم جهلٌ، وكلاهما مر، هل النبي صلى الله عليه وسلم لما أبى أن ينكح علي بن أبي طالب على ابنته إلا أن يطلقها كان من هذا الباب؟ لا.
إن استدلالهم بهذا الحديث يذكرني بمن يقول: إن مكر النساء وكيدهن أعظم من كيد الشيطان، فتقول له: كيف يكون ذلك ولا يوجد أعدى من الشيطان الرجيم؟ يقول لك: يا أخي! هذا في القرآن، قال الله عز وجل:{إِنَّ كَيْدَكُنَّ عَظِيمٌ}[يوسف:٢٨]، وقال بالنسبة للشيطان:{إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفًا}[النساء:٧٦]، فبين أن كيدهن عظيم، وأن كيد الشيطان كان ضعيفاً، واضح جداً من القرآن.
وليس الأمر كما يزعم؛ لأنه إنما استل هذه الجملة من السياق، واستلال الجملة من السياق بغير نظرٍ إلى السباق واللحاق جريمةٌ في حق المعنى، ففي قوله تعالى:{إِنَّ كَيْدَكُنَّ عَظِيمٌ}[يوسف:٢٨] نقول: نعم، إذا قورن كيدهن بكيد الرجال؛ لأن الناس ما هم إلا رجلٌ وامرأة، فإذا قورن كيد الرجال بكيد النساء كان كيدهن عظيماً فعلاً، لكن كيد الشيطان لماذا كان ضعيفاً؟ عندما تقرأ السياق يتضح المقام، قال تعالى:{الَّذِينَ آمَنُوا يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ الطَّاغُوتِ فَقَاتِلُوا أَوْلِيَاءَ الشَّيْطَانِ إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفًا}[النساء:٧٦](ضعيفاً)؛ لأنه مقابل بكيد الله، فصار ضعيفاً لذلك {الَّذِينَ آمَنُوا يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ}[النساء:٧٦]، وهو معهم وناصرهم، {اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا}[البقرة:٢٥٧]، {وَالَّذِينَ كَفَرُوا يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ الطَّاغُوتِ فَقَاتِلُوا أَوْلِيَاءَ الشَّيْطَانِ}[النساء:٧٦]، أي: يا أيها الذين آمنوا -الذين مولاهم الله- قاتلوا أولياء الشيطان؛ لأن الله مع الذين آمنوا، والشيطان مع الذين كفروا، فصار هناك مقابلة {فَقَاتِلُوا أَوْلِيَاءَ الشَّيْطَانِ إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفًا}[النساء:٧٦]؛ لأنه مقابل بكيد الله عز وجل، فما معنى أن نأخذ شطر آية مع شطر آية أخرى ونضربهما ببعض؟!