[من شروط التمكين: الصدق مع الله]
إن الأمة الإسلامية اليوم تملك ثروة بشرية هائلة -ملايين- ولكن أين الرجال فيهم؟ إنهم قلة، مثلاً: أي رجل وقع في أزمة وخير ما بين دين الله وما بين الدنيا، فإنه يختار الدنيا مباشرة، يقول لك: أكل وأعيش وأولادي وتركتي.
وإذا قيل لأحدهم: احلق لحيتك وإلا لن تأخذ الوظيفة، تراه يتساءل هل يحلق حتى يأخذ الوظيفة ثم يعفيها مرة أخرى، هذا إذا كان الرجل فيه تدين، وغالب الناس لا يقف عند هذه المسائل ولا يفكر على الإطلاق، بل يقوم فوراً ويحلق لحيته، ولسان حاله يقول: لماذا لا أختار الدنيا؟ اعلم يا أخي! أن الله عز وجل لا يضيِّع من توجه إليه، وإنما يختبرك وينظر إلى صدق عزيمتك، كما قال تبارك وتعالى: {أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ * وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ} [العنكبوت:٢ - ٣]، فإذاً: لا بد من اختبار، إذا صدق الرجل مع الله عز وجل ورسوله، وكان وقافاً عند حدود الله عز وجل مكّن له في الأرض: {الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ} [الحج:٤١]، فهذه شروط التمكين، هل نحن أمة تستحق التمكين، وثلث الأمة لا يصلي؟ ثلث الأمة لا يصلي وربما أكثر، هؤلاء لا يسجدون لله عز وجل، هل يمكّن لهؤلاء؟ لا يمكَّن لهم أبداً، إنما يمكَّن الله عز وجل لعباده المؤمنين، الذين إن مكنّ لهم كانوا أوفياء لشرعه.
إن الناظر إلى حال الأمة الإسلامية وحال أفرادها يرى كثيراً من الناس يتصرف تصرف أهل الجاهلية، إذا ركبوا سفينةً في البحر وأتاهم الموج من كل مكان وظنوا أنهم قد أحيط بهم دعوا الله مخلصين له الدين، فلما نجاهم إلى البر إذا هم يبغون في الأرض بغير الحق: {وَجَاءَهُمُ الْمَوْجُ مِنْ كُلِّ مَكَانٍ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ أُحِيطَ بِهِمْ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ لَئِنْ أَنْجَيْتَنَا مِنْ هَذِهِ لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ * فَلَمَّا أَنْجَاهُمْ إِذَا هُمْ يَبْغُونَ فِي الأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّمَا بَغْيُكُمْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ مَتَاعَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا} [يونس:٢٢ - ٢٣].
إذا كنت في البحر وذهب منك الحول والقوة حينها تلجأ إلى الله، وبمجرد أن تمشي على رجليك، تتصور أنك ملكت أمرك حينها!! هذا يذكرني برجل ركب معي من القاهرة مرة، ويبدو أنه أول مرة يركب طائرة، والطائرة كانت تطير بسرعة كبيرة حوالي ألف كيلو في الساعة، نظرت للرجل ورأيت وجهه قد اصفر، أول ما بدأت الطائرة تطير وقال: انتيت، لا حول إلا بالله.
يعني: لم يعد في أيدينا شيء، الطائرة صارت مرتفعة، فبعد أن استقر حاله وأحضروا له عصير الليمون، تعرفت عليه، وقلت له: سمعتك تقول كذا وكذا، لا حول ولا قوة إلا بالله، وهل وأنت تمشي على الأرض بقدميك لك حول بغير حول الله؟ إن كثيراً من العباد يحسب المسألة خطأ، عندما يمشي على الأرض ينسى قدرة الله.
يعني: أنه بإمكانه فعل كل شيء، يستطيع أن يعود إلى بيته لوحده، ويستطيع أن يمشي، لكن وهو في الجو، فلا يستطيع أن يفعل شيئاً!! وكذلك لو كان في لجة البحر لا يستطيع أن يفعل شيئاً، في الجور والبحر يلجأ إلى الله.
إن الله ليكره ذلك، والله عز وجل لا تليق بعظمته هذه المعاملة، وهو الغفور الودود، وتأمل هذين الاسمين المتعاقبين: (الغفور الودود) يعني: يغفر الذنب ويتودد إليك.
مثلاً -ولله المثل الأعلى- إذا أسأت إلى أبيك، أو إلى أخيك، أو إلى أمك، أو إلى أختك، أو إلى خالك، أو عمك، أو صديقك، كان عليك أن تصطلح معه، وتذهب لتقول له: هل تريد مني خدمة؟ أنا جئت اليوم أقدّرك وأعتذر عما بدر مني، حتى تزيل هذا الغبش الذي كان.
إذاً: المسيء هو الذي يتودد، لكن لاحظ الشيء العجيب، الله عز وجل هو الغفور، يغفر للمسيء، وهو الودود الذي يتودد إلى عبده المسيء، فسبحان من رب عظيم! فلماذا أشركت معه غيره؟ أشركت مالك أو أولادك أو امرأتك أو سلطانك أو أشركت معه غيره وهو يقول: (أنا أغنى الشركاء عن الشرك، من عمل عملاً أشرك فيه معي غيري تركته وشركه) هذا من عزته تبارك وتعالى، فالعزيز لا يقبل هذا.
تركت وصالكم شرفاً وعزاً لخسة دائر الشركاء فيه إذا وقع الذباب على طعام رفعت يدي ونفسي تشتهيه ولا ترد الأسود حياض ماء إذا كان الكلاب يلغن فيه لا يمكن للأسد أن يشرب من حوض شرب منه كلب؛ ترفعاً وعزة.
وها نحن في صفاتنا نأبى أن نشارك أصحاب الخسة فيما يطلبونه، فلله عز وجل المثل الأعلى، فكيف بهذا الإنسان يشرك به ويتركه!!؟ لا، هو العزيز، ولذلك عندما تشرك معه غيره، يقول لك: اذهب إلى من أشركت؛ لأن حقيقة الشرك فيه دلالة على النقص.
هل يوجد أحد في الدنيا يتمنى أن أحداً يشاركه في ماله أو في تجارته، عندما تذهب إلى أي شارع تجد شركة فلان الفلاني، فلان وأولاده، فلان وشركاه، هذه الشركات عُملت لماذا؟ أنا لو معي رأس مال أكنت أتمنى أن يشاركني أحد في الربح؟ الحال أن بعض الناس حين يشتركون مع بعض تجد كل شريك يطمع في شريكه.
ويقول له: أنا أريد ربحاً أكثر منك، ويمكن أن يظلمه، فلو كان هذا الرجل معه مالاً ما أشرك معه أحداً.
إذاً: الشركة دلالة على النقص، لماذا دخل في شراكة؟ لأن رأس ماله ضعيف، أو لأن خبرته قليلة، أو لأنه ضعيف يحتاج إلى ظهر يحميه، لذلك يُدخِل شخصاً ذا سلطان ليحميه، وهناك أناس لهم مناصب كبيرة أحيلوا إلى التقاعد، فتجد أصحاب الأموال يذهبون إليهم يدخلونهم في هذه الأموال ويشاركونهم، من أجل أن يخلصوهم من الجمارك؛ لأن هذا المتقاعد يعرف المسئول الفلاني والمسئول العلاني وما إلى ذلك، مع أن هذا المتقاعد تراه يجلس لا عمل له، يجلس على مكتب، ويوصِّلونه بسيارة، والسائق يذهب به ويعود، هذا كله لماذا؟ لأجل أنه يعرف المسئولين الكبار، فالرجل هذا يسهل لهم العقبات ويمرِّر لهم المخالفات.
إذاً: الإشراك نقص فقل لي إذاً لماذا تشرك مع الله؟ هل الله عز وجل فقير؟ لا.
فرزق الله لا ينفد، قال تعالى: {إِنَّ هَذَا لَرِزْقُنَا مَا لَهُ مِنْ نَفَادٍ} [ص:٥٤]، {وَلِلَّهِ مِيرَاثُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ} [آل عمران:١٨٠].
إذاً: يجب أن نعلم أن الله عز وجل أغنى الشركاء عن الشرك، وأنه الغني ونحن الفقرءا، نحن محتاجون إليه، وهو غني عنا، ومع ذلك تراه يغفر ذنوبنا ويتودد إلينا، فما علينا إلا أن نوحده وأن نعظمه حق التعظيم، وأن نقدره حق التقدير.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.